يبحث الطالب اليمني زيد مغير عن حل يعيده إلى تركيا التي تم ترحيله منها بعد ثلاثة أعوام من دراسة التكنولوجيا والحاسوب في جامعة مصطفى كمال، إذ لم يعد أمامه غير عام واحد قبل التخرج، بينما لا تسمح قدرات عائلته المادية بتوفير نفقات الدراسة في السودان حيث يقيم بعد ترحيله، “دون أن يعرف سببا لذلك غير أنه كان من بين الطلاب القاطنين في سكن تابع لجماعة الداعية فتح الله غولن المتهمة بتدبير انقلاب 15 يوليو/تموز الفاشل”، كما يقول.
يعد الطالب مغير واحدا من بين 200 طالب يمني من بينهم 44 طالبا وطالبة موزعون على عشر جامعات كانت تتبع جماعة غولن بحسب ما أكده القنصل اليمني في إسطنبول أحمد المشهري، في تصريح خاص لـ”العربي الجديد”، مشيرا إلى أن بقية الطلاب كانوا يدرسون في جامعات حكومية ويسكنون في سكن تابع للجماعة.
ويعيش هؤلاء الطلاب في خوف مستمر من مصير زملائهم الثمانية الذين تم ترحيلهم وسجنهم (اثنان سُجنا ثم رُحلا واثنان أُرجعا من مطار أتاتورك ولا يزال أربعة آخرون رهن الإعتقال) ، بحسب ما أكده محمد القباطي رئيس الاتحاد العام للطلاب اليمنيين في تركيا، موضحا أن من بين هؤلاء الطالبة عبير الرداعي التي كانت تدرس في جامعة الفاتح الخاصة التابعة لجماعة غولن في إسطنبول والتي تم ترحيلها من دون أن تعرف السبب، وفقاً للقباطي، والذي أضاف أن الطالب إبراهيم توفيق أنعم لا يزال رهن الاعتقال منذ ثلاثة أشهر في مدينة إزمير كما تم اعتقال الطالبين عامر القيني وعبد الله مارش اللذين كانا يدرسان في جامعة “Gediz” بمدينة إزمير في 15 مايو/أيار الحالي بعد أن استقرا في شقة خاصة بهما وغادرا السكن الذي وفرته لهما جماعة غولن.
ويضيف رئيس الاتحاد القباطي أن الطالب سعيد العبسي فوجئ بالشرطة تبحث عنه في جامعة سليمان ديميريل الحكومية في مدينة إسبارطة جنوب غربي تركيا وتم اعتقاله ونقله إلى مقر الأمنيات (مديرية الأمن) بانتظار الترحيل.
ما أسباب التوقيف والترحيل؟
يتفق الطلاب المرحلون في أن أسباب توقيفهم وترحيلهم غامضة، وبحسب أحد زملاء عبير الرداعي ممن يتابعون قضيتها بعد ترحيلها منتصف إبريل/نيسان الماضي، فإنها كانت تتوجس من الذهاب إلى مقر الأمن لتجديد إقامتها، إذ كانت تخشى عرقلة طلبها لكونها كانت تدرس في جامعة تابعة لجماعة الخدمة، وتسكن على نفقتها، غير أنها عقب ذهابها طمأنها الموظف الذي راجع بياناتها وطلب منها دفع الرسوم حتى جاءت الشرطة وقامت باعتقالها دون توضيح السبب.
حصلت عبير على منحة من المدرسة التركية التابعة للجماعة في صنعاء، وهو ما سألها حوله المحقق الذي اتهمها بأن لها نشاطا طلابيا ضمن أنشطة الجماعة في تركيا، وتتواصل مع أساتذة جامعة الفاتح التي كانت تدرس فيها، وفق ما يقوله زميلها الذي راجع موقفها لدى الأمن، وهو ما تكرر في حالة الطالبة رحاب راجح التي كانت تدرس الهندسة المعمارية في جامعة “Gediz” بمدينة إزمير، إذ منعها أمن مطار أتاتورك الدولي من الدخول إلى تركيا أثناء محاولتها العودة من أجل استكمال دراستها في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وبحسب رحاب، فإن ضابطاً في المطار أخبرها أن اسم والدها في جواز السفر مكتوب بشكل مختلف عن الاسم في النظام الخاص بالمطار، قبل أن يقتادها ضابط إلى سجن الترحيل بحجة أن لها علاقات تنظيمية مع جماعة غولن، رغم أنها مبتعثة للدراسة بمنحة من قبل الحكومة اليمنية وليس لها أي علاقة مباشرة مع الجماعة وفق ما تؤكده.
أما الطالب محمد الذي طلب عدم الإفصاح عن هويته، إذ كان يدرس في مدارس تتبع جماعة غولن في اليمن، وحصل على منحة دراسية من جامعة الفاتح التي تم إغلاقها بعد الانقلاب بينما لم يستطع الانتقال إلى جامعة إسطنبول الحكومية، إذ إن منحته المالية كانت برعاية رجال أعمال يتبعون الجماعة ولا يوجد من يوفر له مصروفات دراسته في الوقت الحالي.
صعوبة البحث عن سكن
عقب خروج الطالب في جامعة مرسين طارق عزوز، من السكن التابع للجماعة، خاض رحلة صعبة للبحث عن مكان يؤويه كما يقول، مؤكدا أن أصحاب الشقق صاروا يطلبون بعد الانقلاب شهادة من الشرطة لإبراء الذمة، وهو ما قد يزج به في السجن في حال ذهابه إلى مقر الأمن، وتقديمه بيانات تفيد بأنه كان مقيماً في سكن تابع لجماعة غولن، الأمر الذي استدعى تدخل اتحاد الطلاب اليمنيين لحل المشكلة، كما يقول رئيسه محمد القباطي، مؤكدا عملهم على افتتاح 10 شقق سكنية للطلاب الذين خرجوا من سكن الجماعة لمدة شهر والتكفل بالأثاث والتأمين، على أن يعمل الطلاب على تأمين الإيجار بعد ذلك.
عقب أسبوع من محاولة الانقلاب، أصدر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قراراً بإغلاق 1043 مدرسة خاصة مملوكة لحركة الخدمة، أو “الكيان الموازي” كما يطلق عليها، كأول مرسوم رئاسي عقب إعلان حالة الطوارئ في البلاد، إذ اتهمت الحكومة التركية هذه المدارس بأنها إحدى أهم وسائل “التعبئة الأيديولوجية والتجنيد” من أجل ضم المزيد من الأعضاء لتنظيم الخدمة، وضمّت الجامعات التابعة لحركة الخدمة 65 ألف طالب، وتتوزّع على أنقرة، وإسطنبول، وإزمير، وبورصة، وسامسون، ودياربكر وقايسري وقونيا وعنتاب وأضنة كما يقول أفق أولوتاش، رئيس قسم دراسة السياسة الخارجية بمركز سيتا (معهد الأبحاث الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التركي).
ومن بين المؤسسات التي التحق بها عدد كبير من الطلاب اليمنيين الدارسين بمنح من جماعة غولن جامعة الفاتح التي التحق بها 29 طالبا وطالبة، كما يقول محمد القباطي مشيرا إلى أنهم عاجزون عن دفع الرسوم الدراسية التي طلبتها منهم جامعة إسطنبول التي تم تحويلهم إليها وقدرها تسعة آلاف دولار، ومن بين هؤلاء الطلاب محمد السيد الذي يؤكد أنه يخشى تجديد إقامته في مقر الأمن حتى لا يتم اعتقاله مثل زملائه، في حال عرفت الشرطة أنه كان يسكن في الإقامة التابعة لجماعة غولن.
رد وزير التعليم العالي اليمني حسين باسلمة على سؤال “العربي الجديد” حول دور وزارته في حل قضية “طلاب غولن اليمنيين” بأن الوزراة ليست مسؤولة عنهم إذ لم تبتعثهم، وهم مسؤولون عن تكاليف دراستهم وإقامتهم، وتابع “حتى الآن لا نعرف ما أسماء الطلاب الذين تضرروا بالتحديد، وتم توقيفهم أو ترحيلهم، وإذا كان لديكم أسماء محددة أرسلوها إلينا”.
وأضاف باسلمة: “الجهة المعنية بالدرجة الأساسية هي القنصلية والسفارة في تركيا، وسأحاول التواصل مع السفير لمعرفة القضية”، أما سفير اليمن في تركيا عبد الله السعدي، فقال في اتصال هاتفي إن “الموضوع حساس جدا، ولا يستطيع الحديث فيه للإعلام عبر الهاتف والقضية خاصة في ظل الوضع الاستثنائي الذي تشهده تركيا”.
لكن القنصل اليمني في إسطنبول، أحمد المشهري، قال في مقابلة مسجلة مع معدة التحقيق إنهم حاولوا التواصل مع السلطات التركية وردّت بأنهم يتدارسون وضع الطلاب اليمنيين الذين كانوا يدرسون في هذه الجامعات وسيعملون على حل جذري لهم”. وأضاف المشهري “أنه وفر محامين لبعض الطلاب ويسعون إلى توقيف أوامر ترحيلهم”.
ويؤكد مستشار رئيس الوزراء التركي السابق عمر فاروق قورقماز أن “موضوع الطلاب الذين يعانون من الإشكاليات هو رهن الدراسة لدى وزارة التعليم العالي وكذلك التربية والتعليم”.
وتابع “هناك عشرات الآلاف من الطلاب العرب في تركيا يواصلون دراستهم الطبيعية، بمن فيهم اليمنيون، ومن الطبيعي بعد الأحداث الأخيرة أن تمارس السلطات حقها في الاحتراز”، غير أن الطلاب اليمنيين يؤكدون أنهم يحترمون حق تركيا في الاحتراز، لكنهم لم يتورطوا في أية أنشطة تهدد أمن تركيا، إذ إن الجماعة كانت تعمل بشكل شرعي وعلني قبل الانقلاب الذي حول حياتهم إلى جحيم.
العربي الجديد