كل ما يجري هذه الأيام من أحاديث عن وجود، أو عدم وجود اتفاقات أميركية روسية بشأن مصير سورية، وإمكانية إيجاد حلول توقف الكارثة التي تضرب سورية وشعبها، لا يعدو أكثر من مجرد تحريك للبحص في القدر، لإيهام السوريين والعالم بأن إدارة أوباما تبذل مساعي جدية للمساعدة على ايجاد وسيلةٍ لإيقاف شلال الدم السوري، لكن الوقائع على الأرض وتجربة السوريين مع إدارة أوباما، منذ بداية انتفاضة الشعب السوري، لا تساعد على إقناع أحد بجدية هذه المساعي وجدواها.
ليس سهلاً على أي عاقل التصديق بأن مجموعة دعم سورية التي تضم الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، إضافة الى الاتحاد الأوروبي، لم تجد طريقة لإلزام نظام مافيا الأسد بتطبيق القرارات الأممية الخاصة بتسهيل نقل المساعدات الإنسانية إلى المناطق التي تحاصرها قوات النظام والمليشيات المدعومة من إيران، غير إلقاء تلك المساعدات من الجو، وهي طريقة مكلفة، وغير مضمونة النتائج، والتي تجعل هذه المساعدات بيد من يمتلك السلاح، وليس بيد من يحتاج لها، أو غالباً ما تسقط في مناطق النظام ليقوم شبيحته ببيعها.
ماذا يعني أن تقول مندوبة الولايات المتحدة في مجلس الأمن إن مجموعة دعم سورية ستضطر إلى إلقاء الإغاثة من الجو، إذا ما استمر نظام دمشق بإعاقة وصولها براً؟. هل أصبح نظام متهالك مدان بارتكاب جرائم ضد الإنسانية من الغالبية الساحقة من دول العالم، ويعتمد على مليشيات طائفية أصولية، استقدمها من كل أصقاع الأرض للمحافظة على بقائه، أقوى من كل تلك القوى الدولية التي تحاول إلزامه بتمرير بعض الغذاء والدواء لملايين النساء والأطفال الذين يحاصرهم.
إيصال المساعدات إلى مستحقيها نصت عليه قرارات مجلس الأمن الذي لم يطالب متنفذي النظام بالخضوع لمحاكمةٍ يستحقونها في محكمة الجنايات الدولية، ولا بكشف مصير مئات آلاف المعتقلين الذين قتل النظام منهم عشرات الآلاف تعذيباً، ولا بقبول مرحلة انتقالية، تنهي المأساة السورية، إنه يطالبهم فقط بتمرير ما يمنع الموت عن مجموعاتٍ سكانيةٍ بشرية يحاصرها، ويمنعون عنها الحياة منذ سنوات.
من الواضح والواضح جداً أن درجة استخفاف هذه الدول والقوى بعقولنا وحياة ملايين السوريين وصلت الى مرحلةٍ تكاد تجعلهم شركاء في هذه الجرائم التي تُرتكب بحق شعبنا ووطننا، فكل ذي بصيرةٍ، يدرك أن لدى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وروسيا والصين ما يكفي من القوة والتأثير لإلزام مجموعة مافيوية صغيرة، كمافيا الأسد مخلوف، بتطبيق قرارات أممية تخص حياة مدنيين أبرياء ومصيرهم، لكن السؤال هنا: لماذا لا يقومون بذلك؟
المشكلة الأكبر في طريق الحل في سورية تكمن في إصرارالإدارة الأميركية على استغلال المأساة السورية أطول فترة ممكنة، بغض النظر عن ثمنها الإنساني الباهظ، ما دامت فاتورة الدم والدمار يتم تسديدها من دماء السوريين، ومستقبل وطنهم فقط، من دون أي كلفةٍ تُذكر على الولايات المتحدة واقتصادها.
كلنا يعلم أن جميع القوى المتقاتلة في سورية على عداء أو خلافٍ، بشكل أو آخر، مع الولايات المتحدة وإسرائيل، بدءاً من التنظيمات الاسلامية المتطرفة على الجانبين (داعش، القاعدة، حزب الله)، مروراً بإيران وانتهاءً بروسيا.
ببساطة “هي الحرب بين خصومنا وخسارة أي منهم تجعلنا أقوى فلماذا نوقفها”. هذا ما أعتقد أن راسمي السياسة الاستراتيجية الأميركية يقولونه فيما بينهم، ويطبقونه استراتيجية لعملهم، مستغلين العقول الغيبية والمغرقة في الخرافة لقادة ايران ومليشياتها الطائفية في جهة، وأيضاً للجماعات التكفيرية وعقول قادتها المظلمة وقدرتهم على تجنيد وتجييش شباب المنطقة المقهورين وفاقدي الأمل في مستقبلٍ يجعل حياتهم أفضل، في الجهة الأخرى، إضافة إلى رغبة روسية في العودة قوة عظمى إلى الساحة الدولية، ولو على حساب دمار وطن وتشريد شعبه.
شركاء السوريين، ولو بنسبة واحد إلى ألف في الخسارة مما يجري في سورية، والمقصود الدول العربية والاتحاد الأوروبي، يبدون، ولسوء الحظ، مشتتي الجهد ومضطربي الحركة، ما يسهل المهمة أمام الأميركيين والإسرائيليين في مسعاهم إلى استغلال المقتلة السورية، لإضعاف أعدائهم، وللروس في محاولتهم العودة إلى الساحة الدولية من بوابة المأساة السورية.
مأساتنا، نحن السوريين، عميقة وستطول، وتخفيض كلفتها واختصار زمنها يتوقف على وعينا وقدرتنا على فهم ما يجري لنا وحولنا.
وبالتالي، نبذ كل خلافاتنا واستعادة فكرة “أن تنوعنا هو مصدر غنى حضارتنا”، ورفض أي فكر يدعو الى تكفير السوري الآخر، أو تخوينه، أو التقليل من وطنيته، والقبول أن زمن الاستبداد والفساد وحكم المافيا العائلية وإجرامها لن ينتج إلا الدمار.
لتتشابك أيادينا جميعاً، لإبعاد جميع المستبدين والظلاميين والغرباء، ومنعهم من التحكم برقابنا، والعمل على استعادة وعينا على أساس وحدة وطننا، أرضاً وشعباً، في دولةٍ حرةٍ تساوي بين مواطنيها، ودستور حيادي لا يميز بين السوريين، بغض النظر عن إنتمائهم الديني أو العرقي أو الطائفي.
العربي الجديد – وليد البني