لندن ـ «القدس العربي»: علقت صحيفة «التايمز» البريطانية على منظور العلاقة الأمريكية ـ الروسية في ظل إدارة دونالد ترامب المقبلة.
وقالت فيها أن أي محاولة لبناء علاقات تؤدي لرفع العقوبات عن روسيا تعني مكافأة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على انتهازيته ومغامراته العسكرية وتغييره الحدود الاوروبية بالقوة.
وحذرت الرئيس المنتخب من أن سيكون ساذجا لو اعتقد أنه باستطاعته عقد صفقة مع بوتين. وقالت إن قرار الكرملين سحب حاملة الطائرة «أدميرال كوزنستوف» من مياه البحر الأبيض المتوسط وعودتها عبر القنال الإنكليزي إلى المياه الروسية يعني أن «المهمة اكتملت» للبارجة التي ساعدت في المهام العسكرية وخروج المعارضة السورية من مدينة حلب الشرقية.
ولا يخفى أن جهود الكرملين تقليل تواجدها العسكري في سوريا يتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الحالي. وبعدما أمنت روسيا وضع الرئيس السوري بشار الأسد الذي يبدو في وضع أحسن مما كان عليه عندما اندلعت الثورة عام 2011.
وأكدت الصحيفة أن بوتين قام بخلق وقائع على الارض بطريقة يصعب على إدارة ترامب المقبلة تجاهل أن سوريا أصبحت جزءا من المجال الروسي.
وتقول إن ترامب استمر بالثناء على بوتين ورفض الإعتراف بدوره في عمليات القرصنة التي تسببت في حرف مسار الإنتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر وهو ما يشي بعلاقة هيام من فريق الرئيس المنتخب بالديكتاتور الروسي.
رفع العقوبات
وتعتقد أن هناك مناطق لقاء في سياسة الإدارة المقبلة الخارجية التي ستركز على محاربة تنظيم «الدولة».
ومن هنا يمكن أن تلعب موسكو دوراً فيها طالما حصلت على الإعتراف الذي تريده. ومع ذلك فأي تقارب أمريكي ـ روسي يعني التضحية بأوكرانيا وتقديمها لبوتين على طبق جاهز للأكل وتناسي موضوع شبه جزيرة القرم لمدة 20 عاما حتى لا تؤثر على ترتيبات التسوية في شرق أوكرانيا.
وتعني كذلك رفع العقوبات عن روسيا. وتعتقد «التايمز» أنه لن يتم تحقيق السلام إلا بانسحاب الوحدات الروسية من منطقتي دونستك ولوهانسك.
وينسحب الأمر على الشرق الأوسط التي لن يتحقق فيها السلام من خلال فرض القوة الوحشية.
وتعترف أن هناك أرضية مشتركة في سوريا، فكل من ترامب وبوتين يعارضان بديلا عن نظام الأسد تتحكم فيه إيران والميليشيات الشيعية. لكن تلاقي المصالح بين الطرفين يجب أن لا يكون على حساب خروج الولايات المتحدة من المنطقة.
فكما قال ترامب في كتابه «فن الصفقات» يجب تجنب الموقف الضعيف.
وربما لعب بوتين دور الشريك الصغير في الحرب ضد تنظيم الدولة لكن على القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية أن يركز على حل الأزمات الساخنة.
مساعدة تركيا
وتبدو واشنطن حتى الآن لاعبا ثانويا في الحرب السورية. وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى الشراكة الروسية ـ التركية المتزايدة في مواجهة تنظيم الدولة حيث قالت إن قيام الطائرات الروسية بهجمات على مواقع تنظيم «الدولة يعتبر تطورا في الشراكة الناشئة» بين البلدين.
وقالت إن «العلاقات التي تزداد عمقا تهدد بتهميش الولايات المتحدة في المعركة من أجل تقرير مصير سوريا».
وكانت الطائرات الروسية قد شنت هجمات قبل اسبوع، هي الأولى من نوعها على قرية الباب التي تحاول القوات المدعومة من تركيا وتعتبر آخر معاقل التنظيم في شمال سوريا السيطرة عليها.
وتعلق الصحيفة أن روسيا انتهزت فرصة بناء علاقة شراكة مع تركيا، الدولة العضو في الناتو في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة التركيز على مدينة الرقة، عاصمة ما يطلق على نفسه «الدولة الإسلامية».
وتعلق الصحيفة أن مشاركة المقاتلات الروسية يعتبر نقطة تحول من حادث إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 والتي أدت لقطع العلاقات بين البلدين وفرض الكرملين عقوبات اقتصادية على أنقرة.
وتحسنت العلاقات بين البلدين في صيف 2016 ويشرفان الآن على عملية وقف إطلاق النار الذي أعقب سقوط مدينة حلب.
ويشعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقلق من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للأكراد في سوريا.
ويرى محللون أن روسيا ربما توصلت لاتفاق مع تركيا تقوم فيه الأخيرة بإقامة منطقة أمنية في شمال سوريا تمنع الأكراد من إقامة منطقة مستقلة لهم. وبالمقابل وافق الأتراك على وقف دعم الجهود الرامية للإطاحة بنظام بشار الأسد.
ويقول جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في تركيا إن التقارب الروسي ـ التركي «تكتيكي بالمجمل» و «وفي الوقت الحالي، تستطيع روسيا العيش مع جيب تركي في شمال سوريا طالما لم يهدد نظام الأسد، كما وتسمح لروسيا استغلال تحول الولايات المتحدة لدعم منافسي تركيا وتقديم الدعم الجوي للأتراك ضد تنظيم الدولة وهو ما لا تقوم بعمله واشنطن».
وتقول الصحيفة إن ترامب تحدث وإن بطريقة غامضة عن التعاون مع روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة، مشيرة إلى محاولات إدارة أوباما التوصل مع الكرملين لأرضية سياسية وعسكرية مشتركة في الحرب السورية ولكنها انهارت عندما دعمت موسكو النظام والميليشيات الإيرانية في حملة شرسة لاستعادة مدينة حلب.
عملية مستقلة
وقررت تركيا الهجوم على مدينة الباب بدون تنسيق مع الولايات المتحدة.
ونقلت ما قاله العقيد جون دوريان، المتحدث باسم قوات التحالف الدولي «هذا شيء قرروا عمله بطريقة مستقلة».
واعتقدت تركيا أن العملية ستكون سريعة إلا أن مقاتلي التنظيم أبدوا صمودا. وتفاقمت مشاكل تركيا عندما قام الطيران التابع للنظام في تشرين الثاني/نوفمبر بقصف مواقع الجيش التركي وقتل ثلاثة جنود. وتقول الصحيفة إن الرئيس أردوغان اتصل مع بوتين الذي أكد له أن طيرانه لا علاقة له بالحادث.
وفتح الحديث مجالا للتعاون العسكري. وأصدر الجيش التركي في 2 كانون الثاني/يناير بيانا تحدث عن الغارات الروسية إلا أن مسؤولا عسكريا أمريكيا قال للصحيفة إن الغارات تمت في نهاية كانون الأول/ديسمبر كما وشوهد الطير ان الروسي فوق الباب الجمعة الماضية. وتضيف الصحيفة أن تزايد عدد القتلى في صفوف الجيش التركي وغياب الدعم الأمريكي أدى بأنقرة التلويح بورقة استخدام دول التحالف لقاعدة إنجرليك.
واقترح المسؤولون الأمريكيون أن عدم شن غارات أمريكية في الأسابيع الماضية له علاقة بقرار تركيا. فيما يقول المسؤولون الأتراك أن القرار هو محاولة لمنع تحليق طيران معاد فوق قواتهم.
وقام الطيران الأمريكي بطلعات «إظهار القوة» وحلقت الطائرات على مستويات منخفضة فوق الباب. ووافقت القوات التركية في الأسبوع الماضي على تحليق الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الأمنية والتي تسمح لطائرات التحالف الدولي القيام بغارات ضد تنظيم الدولة في الباب.
وتتحدث الصحيفة عن مواقف الولايات من قوات حماية الشعب الكردية التي ترى فيها قوى يمكن الوثوق بها ضد الجهاديين. أما تركيا فترى فيها فرعا لحزب العمال الكردستاني الذي اتهمته بقتل قوات في الامن التركي بالأسابيع القليلة الماضية.
وتعتقد أن العلاقات التركية ـ الروسية وإن كانت ناشئة إلا أنها مثيرة للدهشة وتختلف عما كانت عليه عندما وصلت الطائرات الروسية إلى ميناء اللاذقية في إيلول/سبتمبر 2015 لمساعدة حكومة بشار الأسد.
ففي ذلك الوقت استهدف الطيران جماعات تدعمها تركيا والولايات المتحدة. ثم جاء حادث إسقاط الطائرة أس يو -24 والذي اعتبره بوتين «طعنة في الظهر».
وتربط «نيويورك تايمز» التحول في العلاقات الروسية ـ التركية بتغير أولويات تركيا في سوريا حيث دخلت الحرب مباشرة في آب/أغسطس 2016 وبمساعدة من فصائل سورية معارضة سيطرت على جرابلس ولكنها توقفت عند الباب.
وتضيف الصحيفة أن الروس أخبروا الولايات المتحدة بالطلعات الجوية الأخيرة وذلك عبر استخدام خط تلفوني ساخن بين القوات الروسية في سوريا والعسكريين الأمريكيين في قاعدة العديد بقطر.
طموحات كردية
ولا يمكن فصل التعاون الروسي ـ التركي عن مخاوف أنقرة من الطموحات الكردية في شمال سوريا.
وكتبت ليز سلاي في «واشنطن بوست» عن الدور الذي يلعبه الدعم الأمريكي للأكراد في تحفيز طموحاتهم.
وكتبت من مدينة تل أبيض حيث حضرت عملية تلقين عدد من المجندين العرب الذين تلقوا تعليماتهم من عسكريين أكراد حتى يتم تدريبهم على أيدي المستشارين الأمريكيين. وتعلق أن معظم المجندين جاؤوا من قرى محيطة بالرقة.
ويقول المشرفون على البرنامج إن على المجندين أن يؤمنوا بأيديولوجية عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا. وتعلق سلاي أن المشهد في قاعة المدرسة بتل أبيض أعطى صورة عن طبيعة العلاقة المعقدة مع الجماعات التي تدعمها واشنطن للحرب ضد تنظيم «الدولة»، حيث تحولت هذه الجماعات التي تؤمن بأيديولوجية تقف على طرف النقيض مع السياسة الأمريكية حليفة للولايات المتحدة.
وتقول إن قوات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطي تقوم بإدارة مناطق شمال ـ شرق سوريا منذ أربعة أعوام ونصف العام وتحاول تطبيق أيديولوجية أوجلان على المناطق التي انسحب منها الجيش السوري في بداية الحرب.
واستطاعت قوات حماية الشعب في السنوات الماضية السيطرة على مناطق جديدة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة وذلك بدعم الغارات الجوية ومئات المستشارين الأمريكيين، وهو وسع منطقة سيطرة الأكراد بعيدا عن مناطقهم التقليدية وضموا إليها قرى ذات غالبية عربية بشكل سيؤدي لإثارة الخلافات الإثنية فقط بل نزاعا واسعا. وتشير إلى دعوات تركيا التي ترى في قوات حماية الشعب فرعا لحزب العمال «(بي كا كا) الرئيس المنتخب ترامب قطع الدعم عن الأكراد.
وفي الوقت الذي تعمل أنقرة وموسكو على تسوية للنزاع تجد واشنطن نفسها في تناقض مع الروس حول دورهم العسكري في سوريا.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة قامت بخلق مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تجمع مقاتلين عربا وغالبية كردية من اجل تخفيف مظاهر القلق الكردي.
وستقوم هذه القوة بالسيطرة على المناطق التي سيتم طرد تنظيم الدولة منها خاصة مدينة الرقة ذات الغالبية العربية.
وفي الوقت الذي رفض المدربون الأمريكيون مناقشة تفاصيل برنامج التدريب إلا أنهم أكدوا عدم معرفتهم بتلقي المجندين دروسا في الأيديولوجية الكردية.
وقال مسؤول أمريكي: «لا نعرف ما يجري لهم قبل وصولهم إلينا». ويعترف الأمريكيون أن الأكراد يشكلون ثلاثة أرباع «قوات سوريا الديمقراطية» ويقودون القتال في المعارك بشـكل يجعـلهم المسـتفيد الأول من الدعم الأمريكـي.
كونفدرالية للمنطقة كلها
وتعلق الكاتبة أن رؤية الأكراد لمستقبل سوريا تتوسع لتشمل المناطق العربية رغم التصريحات الأمريكية المتكررة التي تعارض خطط الأكراد بناء منطقة خاصة بهم داخل سوريا. وتنقل عن ماريا فانتابي، من مجموعة الأزمات الدولية قولها «عزز الدعم العسكري من ثقة قوات حماية الشعب للتحرك أبعد من المناطق التي يسكنها الأكراد وزاد طموحهم أبعد من سوريا».
وتضيف: أن هذا سيترك تداعياته ليس على سوريا بل الدول الجارة لها. وتقول سلاي إنها تعرفت في زيارة نادرة لشمال سوريا على أيديولوجية أوجلان التي تجمع بين الفكر الماركسي والأفكار المثالية للمفكر الأمريكي اليساري موراي بوكتشين وتقوم على إلغاء سلطة الحكومة وترك المجتمعات إدارة شؤونها أو ما يطلق عليها البعض «الديمقراطية الكونفدرالية».
وفكر أوجلان بتطبيق هذه الرؤية على أكراد تركيا في الجنوب إلا ان الرؤية انتقلت لسياق مختلف في سوريا ذات التنوعات الإثنية والدينية- مسلمون ومسيحيون وعلويون وعرب وأكراد وتركمان.
وتنقل عن نصرت أمد خليل الذي يشرف على الدروس التثقيفية للعرب إن الأكراد لا يريدون تطبيق أفكار أوجلان على سوريا فقط بل وخارجها. وقال «لا نريد الكونفدرالية للأكراد فقط بل لكل سوريا والشرق الأوسط أيضا» و»لا نعترف بالحدود بين هذه المنطقة أو تلك».
وحضرت الصحافية درسا في أيديولوجية أوجلان في مدرسة تل أبيض التي طرد منها تنظيم الدولة عام 2015 حيث سأل المدرس أجيت إبراهيم هيسو مجندين مندهشين : ماهو دور الدولة للشعب الديمقراطي؟ ويجيب هيسو «ليس هناك دولة»، «فالدولة هي أداة للإضطهاد». وهنا سأل أحد المجندين «ما هو الفرق بين «الأمة الديمقراطية» وشعارات حزب البعث؟ فرد المدرس أن البعث يميز مع العرب مع أن نظريات أوجلان تنطبق على كل الجماعات الإثنية والدينية.
وفي لقاءات مع المجندين بعد الدرس عبّروا عن فرحتهم بتبني نظرية قوات حماية الشعب وقال أحدهم إنها «مثل أم ديمقراطية لا تميز بين أبنائها».
وقال آخر: «لو لم نوافق فإننا لن نحصل على التدريب. ويجب علينا تعلمها». إلا أن نقاد قوات حماية الشعب يتساءلون عن كيفية تطبيق نظريات اوجلان في مجتمعات سوريا وقالوا إن قادة الحزب لا يتسامحون مع المعارضة فيما تعلق صور أوجلان في ساحات القرى والبلدات بنفس الطريقة التي تعلق فيها صور بشار الأسد في المناطق الخاضعة لسيطرته. وتقول رنا خلف، مؤلفة تقرير أعد لصالح تشاتام هاوس في لندن ان المجالس المنتخبة تقوم بإدارة الشؤون اليومية للمناطق لكن القوة الحقيقية في يد قادة عسكريين تدربوا وقاتلوا مع الـ «بي كي كي»: «في الممارسة هم ديكتاتوريون مثل غيرهم».
وقالت فيها أن أي محاولة لبناء علاقات تؤدي لرفع العقوبات عن روسيا تعني مكافأة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين على انتهازيته ومغامراته العسكرية وتغييره الحدود الاوروبية بالقوة.
وحذرت الرئيس المنتخب من أن سيكون ساذجا لو اعتقد أنه باستطاعته عقد صفقة مع بوتين. وقالت إن قرار الكرملين سحب حاملة الطائرة «أدميرال كوزنستوف» من مياه البحر الأبيض المتوسط وعودتها عبر القنال الإنكليزي إلى المياه الروسية يعني أن «المهمة اكتملت» للبارجة التي ساعدت في المهام العسكرية وخروج المعارضة السورية من مدينة حلب الشرقية.
ولا يخفى أن جهود الكرملين تقليل تواجدها العسكري في سوريا يتزامن مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض في 20 كانون الثاني/يناير الحالي. وبعدما أمنت روسيا وضع الرئيس السوري بشار الأسد الذي يبدو في وضع أحسن مما كان عليه عندما اندلعت الثورة عام 2011.
وأكدت الصحيفة أن بوتين قام بخلق وقائع على الارض بطريقة يصعب على إدارة ترامب المقبلة تجاهل أن سوريا أصبحت جزءا من المجال الروسي.
وتقول إن ترامب استمر بالثناء على بوتين ورفض الإعتراف بدوره في عمليات القرصنة التي تسببت في حرف مسار الإنتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/نوفمبر وهو ما يشي بعلاقة هيام من فريق الرئيس المنتخب بالديكتاتور الروسي.
رفع العقوبات
وتعتقد أن هناك مناطق لقاء في سياسة الإدارة المقبلة الخارجية التي ستركز على محاربة تنظيم «الدولة».
ومن هنا يمكن أن تلعب موسكو دوراً فيها طالما حصلت على الإعتراف الذي تريده. ومع ذلك فأي تقارب أمريكي ـ روسي يعني التضحية بأوكرانيا وتقديمها لبوتين على طبق جاهز للأكل وتناسي موضوع شبه جزيرة القرم لمدة 20 عاما حتى لا تؤثر على ترتيبات التسوية في شرق أوكرانيا.
وتعني كذلك رفع العقوبات عن روسيا. وتعتقد «التايمز» أنه لن يتم تحقيق السلام إلا بانسحاب الوحدات الروسية من منطقتي دونستك ولوهانسك.
وينسحب الأمر على الشرق الأوسط التي لن يتحقق فيها السلام من خلال فرض القوة الوحشية.
وتعترف أن هناك أرضية مشتركة في سوريا، فكل من ترامب وبوتين يعارضان بديلا عن نظام الأسد تتحكم فيه إيران والميليشيات الشيعية. لكن تلاقي المصالح بين الطرفين يجب أن لا يكون على حساب خروج الولايات المتحدة من المنطقة.
فكما قال ترامب في كتابه «فن الصفقات» يجب تجنب الموقف الضعيف.
وربما لعب بوتين دور الشريك الصغير في الحرب ضد تنظيم الدولة لكن على القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية أن يركز على حل الأزمات الساخنة.
مساعدة تركيا
وتبدو واشنطن حتى الآن لاعبا ثانويا في الحرب السورية. وتشير صحيفة «نيويورك تايمز» إلى الشراكة الروسية ـ التركية المتزايدة في مواجهة تنظيم الدولة حيث قالت إن قيام الطائرات الروسية بهجمات على مواقع تنظيم «الدولة يعتبر تطورا في الشراكة الناشئة» بين البلدين.
وقالت إن «العلاقات التي تزداد عمقا تهدد بتهميش الولايات المتحدة في المعركة من أجل تقرير مصير سوريا».
وكانت الطائرات الروسية قد شنت هجمات قبل اسبوع، هي الأولى من نوعها على قرية الباب التي تحاول القوات المدعومة من تركيا وتعتبر آخر معاقل التنظيم في شمال سوريا السيطرة عليها.
وتعلق الصحيفة أن روسيا انتهزت فرصة بناء علاقة شراكة مع تركيا، الدولة العضو في الناتو في وقت تحاول فيه الولايات المتحدة التركيز على مدينة الرقة، عاصمة ما يطلق على نفسه «الدولة الإسلامية».
وتعلق الصحيفة أن مشاركة المقاتلات الروسية يعتبر نقطة تحول من حادث إسقاط الطائرة الروسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 والتي أدت لقطع العلاقات بين البلدين وفرض الكرملين عقوبات اقتصادية على أنقرة.
وتحسنت العلاقات بين البلدين في صيف 2016 ويشرفان الآن على عملية وقف إطلاق النار الذي أعقب سقوط مدينة حلب.
ويشعر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بالقلق من الدعم الذي تقدمه الولايات المتحدة للأكراد في سوريا.
ويرى محللون أن روسيا ربما توصلت لاتفاق مع تركيا تقوم فيه الأخيرة بإقامة منطقة أمنية في شمال سوريا تمنع الأكراد من إقامة منطقة مستقلة لهم. وبالمقابل وافق الأتراك على وقف دعم الجهود الرامية للإطاحة بنظام بشار الأسد.
ويقول جيمس جيفري، السفير الأمريكي السابق في تركيا إن التقارب الروسي ـ التركي «تكتيكي بالمجمل» و «وفي الوقت الحالي، تستطيع روسيا العيش مع جيب تركي في شمال سوريا طالما لم يهدد نظام الأسد، كما وتسمح لروسيا استغلال تحول الولايات المتحدة لدعم منافسي تركيا وتقديم الدعم الجوي للأتراك ضد تنظيم الدولة وهو ما لا تقوم بعمله واشنطن».
وتقول الصحيفة إن ترامب تحدث وإن بطريقة غامضة عن التعاون مع روسيا في الحرب ضد تنظيم الدولة، مشيرة إلى محاولات إدارة أوباما التوصل مع الكرملين لأرضية سياسية وعسكرية مشتركة في الحرب السورية ولكنها انهارت عندما دعمت موسكو النظام والميليشيات الإيرانية في حملة شرسة لاستعادة مدينة حلب.
عملية مستقلة
وقررت تركيا الهجوم على مدينة الباب بدون تنسيق مع الولايات المتحدة.
ونقلت ما قاله العقيد جون دوريان، المتحدث باسم قوات التحالف الدولي «هذا شيء قرروا عمله بطريقة مستقلة».
واعتقدت تركيا أن العملية ستكون سريعة إلا أن مقاتلي التنظيم أبدوا صمودا. وتفاقمت مشاكل تركيا عندما قام الطيران التابع للنظام في تشرين الثاني/نوفمبر بقصف مواقع الجيش التركي وقتل ثلاثة جنود. وتقول الصحيفة إن الرئيس أردوغان اتصل مع بوتين الذي أكد له أن طيرانه لا علاقة له بالحادث.
وفتح الحديث مجالا للتعاون العسكري. وأصدر الجيش التركي في 2 كانون الثاني/يناير بيانا تحدث عن الغارات الروسية إلا أن مسؤولا عسكريا أمريكيا قال للصحيفة إن الغارات تمت في نهاية كانون الأول/ديسمبر كما وشوهد الطير ان الروسي فوق الباب الجمعة الماضية. وتضيف الصحيفة أن تزايد عدد القتلى في صفوف الجيش التركي وغياب الدعم الأمريكي أدى بأنقرة التلويح بورقة استخدام دول التحالف لقاعدة إنجرليك.
واقترح المسؤولون الأمريكيون أن عدم شن غارات أمريكية في الأسابيع الماضية له علاقة بقرار تركيا. فيما يقول المسؤولون الأتراك أن القرار هو محاولة لمنع تحليق طيران معاد فوق قواتهم.
وقام الطيران الأمريكي بطلعات «إظهار القوة» وحلقت الطائرات على مستويات منخفضة فوق الباب. ووافقت القوات التركية في الأسبوع الماضي على تحليق الطائرات بدون طيار لجمع المعلومات الأمنية والتي تسمح لطائرات التحالف الدولي القيام بغارات ضد تنظيم الدولة في الباب.
وتتحدث الصحيفة عن مواقف الولايات من قوات حماية الشعب الكردية التي ترى فيها قوى يمكن الوثوق بها ضد الجهاديين. أما تركيا فترى فيها فرعا لحزب العمال الكردستاني الذي اتهمته بقتل قوات في الامن التركي بالأسابيع القليلة الماضية.
وتعتقد أن العلاقات التركية ـ الروسية وإن كانت ناشئة إلا أنها مثيرة للدهشة وتختلف عما كانت عليه عندما وصلت الطائرات الروسية إلى ميناء اللاذقية في إيلول/سبتمبر 2015 لمساعدة حكومة بشار الأسد.
ففي ذلك الوقت استهدف الطيران جماعات تدعمها تركيا والولايات المتحدة. ثم جاء حادث إسقاط الطائرة أس يو -24 والذي اعتبره بوتين «طعنة في الظهر».
وتربط «نيويورك تايمز» التحول في العلاقات الروسية ـ التركية بتغير أولويات تركيا في سوريا حيث دخلت الحرب مباشرة في آب/أغسطس 2016 وبمساعدة من فصائل سورية معارضة سيطرت على جرابلس ولكنها توقفت عند الباب.
وتضيف الصحيفة أن الروس أخبروا الولايات المتحدة بالطلعات الجوية الأخيرة وذلك عبر استخدام خط تلفوني ساخن بين القوات الروسية في سوريا والعسكريين الأمريكيين في قاعدة العديد بقطر.
طموحات كردية
ولا يمكن فصل التعاون الروسي ـ التركي عن مخاوف أنقرة من الطموحات الكردية في شمال سوريا.
وكتبت ليز سلاي في «واشنطن بوست» عن الدور الذي يلعبه الدعم الأمريكي للأكراد في تحفيز طموحاتهم.
وكتبت من مدينة تل أبيض حيث حضرت عملية تلقين عدد من المجندين العرب الذين تلقوا تعليماتهم من عسكريين أكراد حتى يتم تدريبهم على أيدي المستشارين الأمريكيين. وتعلق أن معظم المجندين جاؤوا من قرى محيطة بالرقة.
ويقول المشرفون على البرنامج إن على المجندين أن يؤمنوا بأيديولوجية عبدالله اوجلان، زعيم حزب العمال الكردستاني المعتقل في تركيا. وتعلق سلاي أن المشهد في قاعة المدرسة بتل أبيض أعطى صورة عن طبيعة العلاقة المعقدة مع الجماعات التي تدعمها واشنطن للحرب ضد تنظيم «الدولة»، حيث تحولت هذه الجماعات التي تؤمن بأيديولوجية تقف على طرف النقيض مع السياسة الأمريكية حليفة للولايات المتحدة.
وتقول إن قوات حماية الشعب، الجناح العسكري لحزب الإتحاد الديمقراطي تقوم بإدارة مناطق شمال ـ شرق سوريا منذ أربعة أعوام ونصف العام وتحاول تطبيق أيديولوجية أوجلان على المناطق التي انسحب منها الجيش السوري في بداية الحرب.
واستطاعت قوات حماية الشعب في السنوات الماضية السيطرة على مناطق جديدة كانت تحت سيطرة تنظيم الدولة وذلك بدعم الغارات الجوية ومئات المستشارين الأمريكيين، وهو وسع منطقة سيطرة الأكراد بعيدا عن مناطقهم التقليدية وضموا إليها قرى ذات غالبية عربية بشكل سيؤدي لإثارة الخلافات الإثنية فقط بل نزاعا واسعا. وتشير إلى دعوات تركيا التي ترى في قوات حماية الشعب فرعا لحزب العمال «(بي كا كا) الرئيس المنتخب ترامب قطع الدعم عن الأكراد.
وفي الوقت الذي تعمل أنقرة وموسكو على تسوية للنزاع تجد واشنطن نفسها في تناقض مع الروس حول دورهم العسكري في سوريا.
وتقول الصحيفة إن الولايات المتحدة قامت بخلق مظلة «قوات سوريا الديمقراطية» التي تجمع مقاتلين عربا وغالبية كردية من اجل تخفيف مظاهر القلق الكردي.
وستقوم هذه القوة بالسيطرة على المناطق التي سيتم طرد تنظيم الدولة منها خاصة مدينة الرقة ذات الغالبية العربية.
وفي الوقت الذي رفض المدربون الأمريكيون مناقشة تفاصيل برنامج التدريب إلا أنهم أكدوا عدم معرفتهم بتلقي المجندين دروسا في الأيديولوجية الكردية.
وقال مسؤول أمريكي: «لا نعرف ما يجري لهم قبل وصولهم إلينا». ويعترف الأمريكيون أن الأكراد يشكلون ثلاثة أرباع «قوات سوريا الديمقراطية» ويقودون القتال في المعارك بشـكل يجعـلهم المسـتفيد الأول من الدعم الأمريكـي.
كونفدرالية للمنطقة كلها
وتعلق الكاتبة أن رؤية الأكراد لمستقبل سوريا تتوسع لتشمل المناطق العربية رغم التصريحات الأمريكية المتكررة التي تعارض خطط الأكراد بناء منطقة خاصة بهم داخل سوريا. وتنقل عن ماريا فانتابي، من مجموعة الأزمات الدولية قولها «عزز الدعم العسكري من ثقة قوات حماية الشعب للتحرك أبعد من المناطق التي يسكنها الأكراد وزاد طموحهم أبعد من سوريا».
وتضيف: أن هذا سيترك تداعياته ليس على سوريا بل الدول الجارة لها. وتقول سلاي إنها تعرفت في زيارة نادرة لشمال سوريا على أيديولوجية أوجلان التي تجمع بين الفكر الماركسي والأفكار المثالية للمفكر الأمريكي اليساري موراي بوكتشين وتقوم على إلغاء سلطة الحكومة وترك المجتمعات إدارة شؤونها أو ما يطلق عليها البعض «الديمقراطية الكونفدرالية».
وفكر أوجلان بتطبيق هذه الرؤية على أكراد تركيا في الجنوب إلا ان الرؤية انتقلت لسياق مختلف في سوريا ذات التنوعات الإثنية والدينية- مسلمون ومسيحيون وعلويون وعرب وأكراد وتركمان.
وتنقل عن نصرت أمد خليل الذي يشرف على الدروس التثقيفية للعرب إن الأكراد لا يريدون تطبيق أفكار أوجلان على سوريا فقط بل وخارجها. وقال «لا نريد الكونفدرالية للأكراد فقط بل لكل سوريا والشرق الأوسط أيضا» و»لا نعترف بالحدود بين هذه المنطقة أو تلك».
وحضرت الصحافية درسا في أيديولوجية أوجلان في مدرسة تل أبيض التي طرد منها تنظيم الدولة عام 2015 حيث سأل المدرس أجيت إبراهيم هيسو مجندين مندهشين : ماهو دور الدولة للشعب الديمقراطي؟ ويجيب هيسو «ليس هناك دولة»، «فالدولة هي أداة للإضطهاد». وهنا سأل أحد المجندين «ما هو الفرق بين «الأمة الديمقراطية» وشعارات حزب البعث؟ فرد المدرس أن البعث يميز مع العرب مع أن نظريات أوجلان تنطبق على كل الجماعات الإثنية والدينية.
وفي لقاءات مع المجندين بعد الدرس عبّروا عن فرحتهم بتبني نظرية قوات حماية الشعب وقال أحدهم إنها «مثل أم ديمقراطية لا تميز بين أبنائها».
وقال آخر: «لو لم نوافق فإننا لن نحصل على التدريب. ويجب علينا تعلمها». إلا أن نقاد قوات حماية الشعب يتساءلون عن كيفية تطبيق نظريات اوجلان في مجتمعات سوريا وقالوا إن قادة الحزب لا يتسامحون مع المعارضة فيما تعلق صور أوجلان في ساحات القرى والبلدات بنفس الطريقة التي تعلق فيها صور بشار الأسد في المناطق الخاضعة لسيطرته. وتقول رنا خلف، مؤلفة تقرير أعد لصالح تشاتام هاوس في لندن ان المجالس المنتخبة تقوم بإدارة الشؤون اليومية للمناطق لكن القوة الحقيقية في يد قادة عسكريين تدربوا وقاتلوا مع الـ «بي كي كي»: «في الممارسة هم ديكتاتوريون مثل غيرهم».