تحت عنوان “رجل المال السوري في ورطة مع عائلة الأسد الحاكمة” نشرت صحيفة صاندي تايمز تقريرا لمراسلتها في الشرق الأوسط لويز كالاغان، كشفت فيه بناء على محادثات مع عدد من الدبلوماسيين ورجال الأعمال ممن لهم معرفة عميقة بعمل النظام السوري عن الكيفية التي سقط فيها رجل المال رامي مخلوف من علوه الشاهق.
وتظهر الشهادات أن الأسد الذي انتصر في الحرب يحاول تجريد الرجل الذي قام بتمويل الحرب من سلطاته وتأثيره. وفي عملية مواجهة مخلوف، كشف عن طريقة عمل الطبقة السياسية الدنيئة في سوريا حيث أصبحت مكشوفة للجميع.
وبدأت الشائعات عن ملاحقات مخلوف في العام الماضي، حيث قيل إن نزاعا اندلع حول تردد الملياردير عن دفع ملايين الدولارات اقترضها من الأسد وبسبب تباهيه بالثروة في الخارج. ولهذا السبب بدأت تقريرها بالحديث عن ابن مخلوف الذي يعيش في دبي، حيث قالت: “بالنسبة للمتابعين لحساب محمد مخلوف، البالغ من العمر 22 عاما على إنستغرام، فإنه يبدو وكأنه حصل على حلمه. وكابن أغنى رجل في سوريا التي تقدر ثروته والده بحوالي 2 مليار دولار، كان يحلق ما بين دبي وميكونوس وكان يخرج من سيارته الفارهة عاريا من الأعلى ويظهر عضلاته التي دهنها بالزيت وتلمع تحت أشعة الشمس. ثم هناك الطائرات الخاصة والقوارب السريعة والقصور التي كتبت الحروف الأولى من اسمه عليها. وتقاطعت صور الشاب الذي لا ينتهي من الرحلات والسفر وفي مناسبات مع صورة ابن خال والده، الرئيس بشار الأسد الذي بدا متواضعا وجادا. وكان والد رامي، محمد رامي مخلوف معروفا بأنه “صراف” عائلة الأسد. والتي كانت قبل الحرب تسيطر على 60% من اقتصاد سوريا. وظل رامي وعلى مدى التسع السنوات الماضية يمول الحرب التي انتصر فيها الأسد.
ولكنه اليوم يواجه مشكلة كبيرة جدا، فبعد حالة من الرفاه الذي لا يمكن تخيله، في وقت حصدت فيه الحرب أكثر من 400 ألف سوري، لم تعد عائلة مخلوف مقربة من النظام السوري. وتضيف كالاغان إن السوريين يتابعون ومنذ عدة أشهر الغسيل القذر داخل الطبقة المقربة من الأسد في وقت كان يحاول فيه رامي مخلوف مواجهة محاولات من الحكومة السيطرة على أرصدته وتجميده. وفي سلسلة من أشرطة الفيديو نشرها على فيسبوك حاول فيها المراوحة بين التهديدات المبطنة ومتجنبا الكشوف الفاضحة.
وبعد كل هذه السنوات من الخدمة، اشتكى مخلوف من استهداف قوات الأمن للموظفين العامين في شركاته ومصادرة عدد منها. وقال مناشدا الإنصاف من الأسد “لقد طُلب مني التنحي جانبا”. وتعلق الصحافية إن الشكوى هي إشارة مثيرة للدهشة عن عائلة قورنت طريقة عملها بعمل المافيا وتعيش مرحلة اقتتال داخلي حيث تحرك الأسد لتوطيد سلطاته على البلد.
وتقول كالاغان إن وزارة المالية السورية قامت في كانون الأول/ ديسمبر بتجميد الرسوم الجمركية، وأنكر مخلوف في حينه أية علاقة بالشركة المتهمة. وبدأت الرئاسة السورية لاحقا بالسيطرة على جمعية وميليشيا البستان والتي استخدمها مخلوف كإقطاعية شخصية.
وفي الشهر الماضي صادرت السلطات المصرية سفينة شحن تجارية قادمة من سوريا تحمل صناديق معلمة بماركة شركة يملكها مخلوف. وكُشف سريعا أنها محشوة بالحشيش. ورغم نفيه أي علاقة له مع السفينة، إلا أن القصة أعطت صورة لا تدعو للنفي عن محاولات مخلوف المستمرة لإثراء نفسه بطرق غير شرعية.
ويقول الدبلوماسي السوري الذي انشق عن النظام عام 2012 ويعيش الآن في واشنطن بسام بربندي: “أعتقد أنهم يريدون وجها جديدا؛ لأن رامي أصبح يمثل صداعا لهم”.
وتعلق كالاغان أن رامي مخلوف كان شخصا بارعا في جعل نفسه شخصية لا يمكن للنظام التخلي عنها. وكان والده المتشدد، صهر الرئيس حافظ الأسد، شخصية محورية في تحويل سوريا إلى مجمع صناعي- عسكري حديث على طريقة المافيا.
وحسب أشخاص التقوا به قبل الحرب، فقد ظل رامي محترما لرغبات والده، ومثل بشار، كان ابن نعمة يتحرك بين الدوائر المهمة في دمشق، وجزءا من الجيل الثاني الناعم الذي غيّر النظام الإقتصادي القائم على الطريقة السوفييتية القديمة إلى مجموعة أصحاب مصالح، “أوليغارش” على علاقة بالأسواق المثيرة للشك والذين حكموا دمشق؟
ويقول بربندي: “كانوا يريدون إظهار القوة لكل شخص حتى لا يتم تحديهم” و”عندما كنا في المدرسة الثانوية، كان كل واحد منا يريد شراء سيارة، ولكنك لا تستطيع شراء سيارة أحسن من سيارة مخلوف حتى لو كان معك المال لشرائها”.
ويقول إن هذه الطبقة كانت محصنة ولا أحد يستطيع لمسها. وتم تداول قصة في حينه عن إرسال مخلوف حرسه الخاص لضرب ابن وزير الخارجية لأن سيارته كانت أجمل. ولجأ الولد إلى مكتب والده حيث ترك الحرس الباب وسمحوا لحرس مخلوف بضربه. وكلما كبر كبرت ثروته وسلطته.
وكان أول نجاح عندما افتتح سلسلة من الأسواق الحرة عند الحدود اللبنانية، حيث منح فرصة للأثرياء السوريين بشراء الكحول والبضائع الراقية بدلا من تهريبها أثناء عودتهم من بيروت.
ويقول عمار العظم، أستاذ التاريخ والأنثروبولوجي في جامعة ولاية أوهايو: “من هنا بدأت تسمع برامي”، و”تحول أثناء السنوات الأولى من القرن الحالي إلى المصدر الرئيسي للاقتصاد في البلاد”. وبعد سيطرته على شركة الاتصالات “سيرياتل” تحول مخلوف إلى بقرة حلوب، حسب وزارة الخزانة الأمريكية. ولم يعد أحد يستطيع إدارة عمل اقتصادي بدونه، بعدما بدا واضحا أنه يدير الاقتصاد نيابة عن الرئيس.
ومع شقيقه حافظ الذي كان يعمل في الأمن، فقد توسع تأثير العائلة إلى داخل النظام المعقد ومصالحه. إلا أن التوتر بين العائلتين كان يغلي تحت السطح لوقت طويل، وحتى قبل اندلاع الحرب انتشرت الشائعات في دمشق عن وجود مشاعر سيئة بين السيدة الأولى أسماء الأسد وآل مخلوف. ويقول عارفون إن المشاعر السيئة أو “الدم الفاسد” كانت عميقة. ومع بداية الحرب الأهلية 2011 تحول المزاج العام ضد مخلوف والذي أصبح علامة على الفساد المستشري الذي جلب المحتجين إلى الشوارع، وتعرضت مكاتب “سيرياتل” للحرق.
وحسب مقابلات مع مخلوف في تلك الفترة فقد كان يعتقد بقوة أو كان يريد الاعتقاد أن المعارضة لم تكن سوى مجموعة متنافرة من مدمني المخدرات وعملاء الموساد الذين خرجوا بهدف تدمير النظام. ولكنه عقد في حزيران/ يونيو 2011 مؤتمرا غريبا أعلن عن تقاعده عن التجارة والأعمال وتمت التضحية به على ما يبدو لإرضاء مطالب المحتجين.
ولكنه لم يعتزل التجارة، بل وسّع البستان لتضم ميليشيا مسلحة وصل عدد أفرادها مرة 20 ألف شخص وكانت القوة المقاتلة الرئيسية للنظام. وفي عام 2014 اختلف شقيقه مع النظام، وأُجبر على الخروج إلى المنفى، ولكن رامي استطاع تجاوز المشاكل مع الرئيس حتى العام الماضي، عندما بدا بشار الأسد واثقا من نفسه بعد الإنجازات التي حققها بمساعدة الروس والتفت إلى رامي.
وقال شخص مطلع: “يفكر الأسد بالمستقبل” و” يرى داعموه الدوليون، خاصة الروس ألا حاجة للاستسلام لأن النظام لن ينهار ولهذا السبب تدخلوا لدعمه”.
وفي الوقت الذي يتراجع فيه مخلوف، حل محله آخرون، فقد حصلت عائلة الدباغ ذات الصلة بالسيدة الأولى على تأثير وكذا رجل الأعمال سامر فوز الذي بنى ثروة أثناء الحرب.
ورغم أن أسباب صعود العائلتين معقدة، إلا أن كونها من عائلة سنية ومخلوف مثل الرئيس من الطائفة العلوية، قد يلعب في صالح الأسد الذي يريد تقوية قاعدته وينال دعمها.
وعلى المدى البعيد، فإن الأسد سيحاول منع أي عقبة تعيق وصول ابنه حافظ إلى السلطة، ومع أن عمره لا يتجاوز الثامنة عشرة، ويمكنه الحصول على الجنسية البريطانية مثل والدته، سيقدم كوجه جديد. ويرى العظم، أن حافظ سيقدم مثلما قدم والده بأنه الرجل الطيب والصديق و”لو ظل بشار في السلطة حتى يخلفه، فستكون لديهم صفحة جديدة وفرصة جديدة لكي يقول: أنا لست مثل أبي ولا علاقة لي بالقتل” ثم يتزوج امرأة جميلة مثل والدته ويتم إعادة تأهيله”.
وفي الوقت الحالي لا يعرف المدى الذي سيذهب فيه الأسد لتجريد مخلوف من قوته، وأحد الخيارات دفعه للخروج إلى المنفى، كما فعل حافظ الأسد مع شقيقه رفعت عام 1984 بعد المحاولة الانقلابية الفاشلة.
نقلا عن القدس العربي