يقف أبو حسن عند إشارة المرور في أحد أحياء مدينة دمشق ويتنهد تنهيدة ألم، وعند اقتراب شرطي المرور منه يُخيَّل إليه أن شبح الموت يقترب منه، ليخطف ماجناه منذ ساعات الصباح الأولى، فيقول في نفسه ” يا رب تكون التسعيرة عحالها ما تغيرت”.
قانون السير وتنظيم المرور في كافة دول العالم سواء المتقدمة أم النامية، وضع لتنظيم حركة المرور وللتقليل من نسبة وقوع الحوادث قدر الإمكان، إلا أن الوضع في سوريا يختلف؛ فشرطي المرور يتغاضى عن أي مخالفة وقعت أو كادت أن تقع لقاء مبلغ من المال يدفعه السائق، ولكل مخالفةٍ تسعيرةٌ تختلف عن غيرها، هذا الاختلاف يعود إلى عدد من الأمور مثل عمر الشرطي وخبرته في التلويح بالعقوبات، نوع السيارة ورفاهيتها، المكان الذي تتم فيه المخالفة، جنس السائق هل هو رجل أم امرأة… أمور أخرى.
يقول أبو حسن بسخرية امتزجت بمشاعر الاستسلام لما آل إليه وضع البلد :” أعمل على سيارة تكسي من الساعة السادسة صباحا وحتى الساعة الثانية عشر ليلا، ونصف ما أجنيه – وربما أكثر- أدفعه لشرطة المرور المنتشرة في الطرقات كي أتجنب النقاش معهم والوقوع بمتاهات المخالفة أو حجز السيارة وأنا بغنىً عن ذلك”.
حال أبي حسن كحال معظم سائقي سيارات الأجرة وحتى السيارات الخاصة، يواجهون بشكل شبه يومي مخالفات يفترضها شرطي المرور كي يحصل على أكبر رقم من الرشاوي، ليجني بتلك العملية أضعاف راتبه.. يضيف أبو حسن بدهشة وكأنه لا يصدق إلى أي مرحلة وصل بنا الحال :” أوقفني أحد شرطية المرور قرب الإشارات، ونظر إليّ نظرة تحبب، وكأنه يطلب مني دفع المعلوم، فأعطيته 200 ليرة فأمسكها باستهزاء ورماها في وجهي، والمضحك في القصة أن تسعيرة الشرطي تعتمد على الدولار، إذ قال لي بجرأة ” وين أنت عايش 200 ليرة شو بتعمل هالأيام؟!، مانك شايف الدولار ب540، ع الأقل هات دولار”.
أصبح التعامل حتى في مناطق النظام بالدولار، وكأن الليرة السورية لم يعد لها أي قيمة أو أهمية تذكر، لكن بالنسبة للرشاوي التي يتقاضاها أولئك الأشخاص الذين من المفترض أنهم جنود أوفياء سُخِّروا للعمل الإنساني، ولتعزيز النظام وتطبيقه على الجميع، باتوا مجرد روبوتات يقفون بحجة النظام لجمع أكبر قدر ممكن من المال، فقد كانوا سابقا يرتشون لكن بطريقة مبطنة ولمخالفات حقيقية بغية إلغائها، إلا أن الحرب في سوريا زادت من الفساد وأصبحت الرشاوى أمراً مشروعاً وحقاً لهم، وفي العلن أيضا غير آبهين إن تقدم أحد بشكوى لمديرية المرور، فكما يقول أبو حسن “حاميها حراميها، الله يرحم أيام ما كانوا يرضوا بالـ25 ليرة “ويسلتوها بكم قميصهم.. كانوا يخافوا شوي من ضابط أو من مسؤول بس هلق هنو صار معاهم أوامر برفع التسعيرة.
يقف أبو حسن خلف طابور من السيارات أمام الكازية والعرق يتصبب منه فيقول في نفسه :” لقمة مغمسة بالدم، وكأن شرطة المرور على غير دراية بما نعانيه كل يوم لنحصل على البنزين وسط مشاجرات مع السائقين، أشعر كأنني أعيش في غابة، وكل يبحث عن لقمته على حساب الآخر”.
فساد، رشاوي، محسوبيات، سرقة، وغيرها من الأمور التي يدّعي النظام أنه يحاربها، إلا أنها تتفاقم وتتمدد لتكون مباحة أكثر من السابق، وكالعادة المواطنون هم من يتلقى أوزارها لتثقل كاهله وتجعله يعيش حياة تعيسة من المآسي تفتقر للإنسانية.
المركز الصحفي السوري ـ سماح خالد