تمر الثورة السورية بإحدى أحلك مراحلها بعد التدخل الروسي المباشر في ضرب الثورة السورية، في محاولة يائسة لإنهاء خيار الشعب السوري، ولأن الروس خاضوا عدة حروب قبل وبعد سقوط الاتحاد السوفييتي في القرن الماضي، فإن هذا العدو التاريخي يملك من الخبرات العسكرية في تسيير حروبه الكثير، لذلك تأتي هذه المقالة لتلفت انتباه الثائر السوري، إلى أحد أخطر الأسلحة الروسية التي يستخدمها الروس في حربهم ضد خصومهم.
روسيا تاريخٌ حافل بقتل الزعماء والعلماء:
اشتهرت روسيا دوماً بضرب خصومها في أبرز النقاط الحساسة، التي يؤدي استهدافها إلى ترك أثر سلبي كبير على معنويات الجنود والأتباع، وله تأثيره في مسيرة الثورة؛ ففي حرب الشيشان الأولى قتلت الزعيم الشيشاني الكبير جوهر دوداييف في أبريل 1994م، ثم اجتهدت في قتل كل زعماء المقاومة الشيشانية، بل وصل بها الأمر إلى قتل رئيس شيشاني سابق كان موجوداً في قطر، وهو الزعيم سليم يندرباييف، خشية أن يتحول إلى مشروع مستقبلي يلتف حوله الشعب الشيشاني المشرد، وإن كانت بعض التحليلات ترى أن قتل يندرباييف جاء انتقاماً منه على إذلاله للرئيس الروسي السابق بوريس يلتسين، عندما أجبره على تغيير مكانه والتفاوض وجهاً لوجه على طاولة المفاوضات، وهو ما يدل على روح الانتقام التي لا تهدأ في نفوس الروس، ثم توجهت روسيا إلى تركيا عام 2011م لقتل شمس الدين باتوكاييف (القاضي الرسمي لوزارة العدل في عهد الرئيس سليم شمس الدين الشيشاني، ووكيل المقاومة الشيشانية في تركيا)، غير أنّ الله سلمه، وأمسكت الأجهزة التركية وحراسُه بالجاني، الذي اعترف باشتغاله لصالح الاستخبارات الروسية (آف آس بي أو كا جي بي سابقا)، كما اهتزت تركيا في أكتوبر 2014م على وقع جريمة بشعة وجبانة، في حق الداعية الأوزبكي عبد الله بخاري، والذي جاء قتله مباشرة بعد اجتماع الرئيس الروسي بوتين بالرئيس الأوزبكي كريموف؛ حيث طلب هذا الأخير مساعدة الروس في تصفية خصومه من الدعاة، ما دامت روسيا قد أخذت عهداً على نفسها بمحاربة المصلحين من المسلمين، الذين تقف جهودهم ضد مبادئ روسيا.
إن هذه الأمثلة تدل بشكل واضح على أن روسيا تتبنى سياسة إخماد الدعوات المناهضة لها، أو لوكلائها عبر إسقاط الرموز الكبيرة، التي يشكل مجرد وجودها في دنيا الناس منبهاً يوجه العقل مباشرة نحو تذكر القضية التي يقودها هؤلاء الكبار؛ فهي تسعى لمحو وطمس جزء من الذاكرة الشعبية لخصومها، وإلحاق هزيمة نفسية ماحقة بمناهضيها، لأجل تقرير النهاية التي تريدها، بعد تيتيم الثوار والشعب.
روسيا وقتل الشهود:
ومن السياسات الشهيرة لروسيا التي لا تقل خطورة عن الأولى؛ العمل على تصفية كل شاهد على جرائمها، فقد قتلت الجاسوس الروسي اللاجئ إلى لندن ألكسندر ليتفينينكو بعد تسميمه عام 2006م، وهو الذي فضح روسيا في محطات كثيرة، ونشر كتابين هزت الحقائق المبثوثة فيهما روسيا وجوارها، أحدهما: كتابه “تفجر روسيا” كتاب مطبوع ومنشور، أثبت فيه أن المخابرات الروسية تقف وراء عمليات تفجير في روسيا، لأجل تحريض الشعب على حرب الأقليات المسلمة، بعد إلصاق تهمة الإرهاب بالشيشانيين، كما قتلت الصحفية والكاتبة والناشطة الحقوقية الروسية آنا ستيبانوفنا بوليتكوفسكايا في غروزني، بعد أن فضحت المجازر والانتهاكات الروسية ضد الشيشانيين- وكانت معارضة بشدة للحرب ضد الشيشان – على يد الاستخبارات الروسية وشرطة قاديروف التي استباحت دماء وأعراض الشعب الشيشاني، كما قتل الروس ابن روسيا البار الجنرال والمرشح الرئاسي ألكسندر ليبيد في بداية حرب الشيشان الثانية، بعد أن أسقط الروس مروحيته سنة 2002م، وادَّعوا أن المقاومة الشيشانية وراء إسقاطها، وقد كان ليبيد عدواً شرساً لبوتين، وعارض بشدة الحرب ضد الشيشان، ودعا إلى الخروج من هذه الجمهورية المنهكة وترك الشعب يقرر مصيره، كما شكل اغتيالُ قائد المعارضة الروسية بوريس نيمتسوف خلال الشهر الثاني من السنة الجارية، دليلاً آخر على وحشية الروس في التعامل مع كل من يُكِن لهم العداء أو يعارضهم، ونيمتسوف لم يكن بالشخص العادي؛ فالرجل كان نائب رئيس الحكومة الروسية سنة 1998م، وقد شكلت معارضته للحرب الروسية في أوكرانيا، حرجاً بالغاً للقيادة الروسية، وجاء اغتياله قبل أيام قليلة من عرضه لكتاب له طبع ونشر جمع فيه أدلة دامغة على تورط الكرملين في زعزعة استقرار أوكرانيا، وتسبب بوتين في مقتل الآلاف من الأوكرانيين على يد الروس وميليشياتهم التي سهل بوتين وصولها إلى دونباص، وموَّلها من خلال رصد ملايين الدولارات.
لذلك فإنه من بين الخطط التي ستعمل روسيا على تنفيذها، قتلُ الصحفيين السوريين المشهورين، الذي اكتسبوا مصداقية كبيرة في الساحة الثورية السورية والدولية، ضمن خطة تستهدف قتل عيون الثورة، التي من خلالها يرى العالم كلُّه جرائم بشار الأسد، وبناءً عليه فإن سياسة روسيا المعروفة بالجبن والوحشية، يجب أن تجابَه بكثير حيطة وحذر، وإبداع في المناورة.
قادة الثورة السورية هل يشكلون الاستثناء؟
وبعد أن أثبتنا السياسة الروسية التي تعتمد على التصفيات المختلفة للقادة والشهود، حتى وإن كانوا من الروس، أو من النصارى؛ فإنه من الإخلاص للثورة السورية فتح أعينها على هذا الخطر الداهم، خاصة أنها تواجه مرحلة حساسة جداً، سيعمل من خلالها الروس على تصفية زعماء الثورة السورية، وبالتوازي مع ذلك يعمل النظام الأسدي القاتل على تفتيت الأحياء الهشة، وإخراج الثوار منها تحت ضغط الحصار الاقتصادي الخانق، مستغلاً الارتباك الذي تحدثه صور خروج بعض الثوار من بعض الأحياء التي دام حصارها سنوات؛ وتصوير ذلك على أنه انتصار للنظام القاتل، وبداية اندحار للثورة.
هذا، وقد دلت التجارب التاريخية على أن قتل قادة أي ثورة كفيل بزعزعة معنويات الثوار، وإدخالهم حالةً من الارتباك، التي تساعد العدو على تحقيق بعض الأهداف التي سطرها أو كُلِّها؛ فوجود رمز من رموز الثورة لا يعني فقط اعتبارَه عنصراً موجِّهاً، بل يكفي أن يكون وجودُها حاسماً لرأب كثير من الصدع بين الجنود، وحفظ الاستقرار والتوحد.
وبناءً عليه فإن رفع الثورة السورية مستوى الحيطة والحذر في هذه المرحلة يبقى أحدَ الوسائل التي ستحفظ للثورة زخمها وفورانها، ولا يتم ذلك إلا من خلال حفظ قادتها، وعدم تعريضهم للاغتيال السهل، فتفقد الثورة رموزاً طالما كان مجرد ذكر اسمهم كافياً لتلتهب المعنويات وترتفع، وتنهار معنويات العدو وتنخفض، وعلى الثورة السورية أن تثبت للروس الجبناء أنها ثورة مباركة، تقودها أياد طاهرةٌ، وعقولٌ نابهة، قادرة على قيادة قطار الثورة نحو محطة الانتصار والاستقلال والحرية، ثورةٌ ولاَّدة تنتج القادة تلو القادة، ويكون دماء كبارها من الزعماء، ثمناً لتحرير الأرض وصون العرض، وطرد الظالم والمحتل.
صحيفة البيان ـ . محمد الأمين مقراواي الوغليسي