كان القرار واضحاً منذ الأسبوع الأول للثورة، لدى نظام الأسد في سورية، وهو أن ما لا يحلّ بالقوة، يحلّ بمزيد منها، وهذه أمثولةٌ إسرائيلية، شارونية خصوصاً. وفي وسع الأسد أن يزهو، الآن، ويجهر بانتصاره على ثورة رعاياه الذين ما حسبهم يوماً مواطنين، فيقول إنه الذي بقي في قصر الرئاسة، فيما الذين هتفوا بخلعه، ومن أرادوا التحرر من استبداده، يقيمون، الآن، في المهاجر لاجئين جائعين، أو مشردين، أو محاصرين في قراهم وأريافهم. وفي وسعه أن يزيد، ويقول إن قولته منذ الشهر الأول، قبل أربع سنوات، إن الإرهاب هو الموضوع، وليس الحرية والتغيير وغيرهما من بدعٍ مستحدثة، ثبت أنها الأوجب للنظر، وأن نظامه أولى بالحماية والإسناد من أن تسقط سورية في أيدي إرهابيين، فتذهب في الفوضى التي لن يصير في غضونها أمن إسرائيل مضموناً. في وسع الأسد أن يؤكد أن “الأسد أو لا أحد” لم يكن شعاراً مرتجلاً، بل كان خياراً مؤكداً ولا يزال، وأن “الأسد أو نحرق البلد” لم يكن زفرة انفعالٍ غاضب، بل نهجاً اعتنقته السلطة، وزاوله شبيحتها، وسارت فيه أجهزتها ومؤسساتها، وكذا داعموها الإيرانيون وتابعوهم في لبنان وغيره. وفي مقدور الأسد أن يقول إنه أحبط “المؤامرة” الكونية على نظامه الممانع، بدليل بقائه رئيساً، وإنْ قضى أزيدُ من مائتي ألف سوري، وأُزهِقت أرواحٌ بلا عدد تحت التعذيب، وإنْ شرد الملايين وهجّروا، وإنْ صارت مدن وقرى وحواضر سورية أطلالاً وخرائب، وإنْ تحكُم داعش مساحاتٍ واسعة في سورية، وإنْ لم يبق صنفٌ من الإرهابيين إلا ووفد إلى سورية، “لينعم بالجهاد” على أرضها المستباحة. كل هذه تفاصيل، لا تستحق إتعاب الذهن بشأنها، ولا تضييع وقتٍ في التملي فيها، لأن الحكم ما زال في دمشق للأسد وعائلته ومشايعيه، وهؤلاء منقطعون للتصدي للمؤامرة إيّاها، وإن استغرق حالهم هذا مائة عام أخرى.
هذا لسان حال نظام الاحتلال في سورية، على مبعدة أربع سنوات من أولى هتافات السوريين، لمّا طالبوا بأمنٍ وأمان وإصلاح، قبل أن يجهروا برحيل النظام القاتل الذي واجه صيحاتهم الحذرة الأولى بالرصاص، والفتك الشنيع بحمزة الخطيب وغيره من فتيةٍ وشبانٍ ونسوةٍ في درعا وغيرها. اختار الأسد المسلك الذي يريد، وفي قناعته أن القوة غير الكافية هي السبب في فرار بن علي وتنحي حسني مبارك في تونس ومصر. والآن، نستعيد السنوات الأربع، وفي مقدورنا القول إن المؤامرة هي المشهد الأوضح هناك، فليس أطيب للولايات المتحدة وإسرائيل من أن تتدمر سورية، ويتحطم جيشها، ويتذرّر ناسها، وتفتك بها الانقسامات الطائفية، ويتقاتل أهلها، وذلك كله بأيدي عصابات النظام المحتل وعصابات الإرهاب، ومثلما تمنّى مناحيم بيغن، في خطاب في الكنيست، النصر لإيران والعراق معاً، لمّا قامت الحرب بينهما قبل خمسة وثلاثين عاماً، يتمنى الإسرائيليون، ومعهم ربما الأميركان، النصر لكل المتقاتلين في سورية، وإن بقي النظام فبها ونعمت، وإن غاب فبها ونعمت أيضاً، ولكل حادث حديث.
يدفع السوريون كلفة باهظة من الآلام، ومن ضياع دولتهم التي بنوها بتضحياتٍ مشهودة، ثمن هذا الخيار الذي يرتكبه “أصدقاء سورية” بقيادة الولايات المتحدة، ولا نظن أن مؤامرةً مرّت في التاريخ من هذا الجنس النادر، إذ تُمارس بأيدي من يتصدّون لها، فالنظام المسلح، إيرانياً وروسياً، يساهم في المقتلة غير المقلقة لأحد، وفي التدمير النشط والمطلوب، من دون أن يقتنع، ولو لحظة، بأن الجريمة التي يقترفها بحق سورية جسيمة، وغير مسبوقة، فأي سلطانٍ هذا لرئيسٍ وحكومة على خرابٍ وحطام. أليس من نزرٍ يسير لديه من شعور بشيء من المسؤولية تجعله يذهب إلى خيار الإدارة الانتقالية التي أوحى بها تفاهم “جنيف1″، من أجل سورية، لا من أجل “المعارضات العميلة” في تركيا وفرنسا. هذا أحد أسباب بلا عدد تسوّغ اعتبار ثورة السوريين مغدورة، تم تآمر واسع عليها.
معن البياري – العربي الجديد