واجه سوريون وعرب بالرفض المطلق خيار الفيدرالية المقترح لسورية. الفيدرالية من وجهة نظرهم مدخل لتقسيم البلاد، ونهاية الدولة الموحدة التي عرفناها منذ سبعين عاما وأكثر.
من يعاين المشهد السوري اليوم بموضوعية ومن دون تحيز، سيلاحظ دونما عناء أن الوقت يكاد ينفد من يد الداعين إلى الفيدرالية. الخيار الذي يرفضه بعضنا بشدة، ربما لا يكون متاحا بعد حين.
سورية تواجه خطر الاندثار. الإحصاءات التي توثق المأساة مهولة ومرعبة؛ 45 % من السوريين إما لاجئون أو نازحون، ملايين المنازل سويت بالأرض، نصف أطفال سورية لا يذهبون إلى المدارس، أكثر من ربع مليون قتيل وضعفهم أو أكثر بين مصابين ومعاقين، عشرات الآلاف مفقودون، الاقتصاد محطم.
الألمان ليسوا أكثر بأسا من السوريين؛ بمقدور هذا الشعب أن ينهض ويبني ما تهدم، وينتشل الاقتصاد من القاع. لكن الأزمة في سورية ضربت في الأعماق؛ مزقت النسيج الوطني، وأنهت إلى الأبد فكرة العيش المشترك بقواعد الحكم السابقة؛ دولة مركزية يحكمها حزب واحد، ولا تعترف بحقوق المكونات الاجتماعية.
الخطر الذي يواجه سورية ليس من خيار الفيدرالية، وإنما في استمرار النزاع على حاله، من دون أفق سياسي يبقي سورية الجغرافيا كيانا واحدا. من يتصور أن الكرد في سورية سيتخلون بعد كل هذه التضحيات عن حلمهم بكيان ذاتي؟ وكيف للسُنّة في سورية أن يرضوا بالمعادلة السابقة ويتجاهلوا نهر الدماء في مدنهم؟ والأسئلة ذاتها يطرحها العلويون والمسيحيون وسواهم من مكونات الفسيفساء السوري.
الإصرار على سورية كما كانت في الماضي، يعني تشظي الكيان والشعب، بحيث لا نجد في المستقبل حلا قابلا للحياة.
إشكالية سورية اليوم ليست في الجماعات الإرهابية المسيطرة على مساحات واسعة؛ هذه يمكن مسحها من الوجود في غضون أشهر. الإشكالية الكبرى هي في انعدام فرص التعايش بين مكونات المجتمع السوري، بعد كل الذي جرى ويجري.
تذكروا أن العراقيين تبنوا دستورا يأخذ بمبدأ الفيدراليات، لكن الأزمة كانت قد بلغت نقطة أخفق معها العراقيون في إنقاذ بلدهم، فبدا وكأن خيار التقسيم سبق الفيدرالية.
سورية اليوم في المنطقة الحرجة بين خيار الحل السياسي وبحظوظ قليلة، وخيار اللاحل القائم حاليا، والمرشح للاستمرار فترة طويلة، إذا لم يتحقق التوافق الدولي والإقليمي على صفقة تاريخية.
اللاحل على المدى المتوسط يعني تحلل الكيان السوري؛ جغرافيا وسكانا، وانتفاء مقومات إعادة بناء الكيان حتى على أساس فيدرالي، ونشوء كيانات مناطقية هشة ومتصارعة، يحكمها إرهابيون وتجار حروب وعصابات الموت.
روسيا بخبرتها الطويلة مع الصراعات، تدرك هذه الحقائق، ولا يمكنها أن تبقى متفرجة لوقت طويل. ستقول كلمتها في النهاية، وتحاول إنقاذ ما يمكن إنقاذه. إيران غير معنية كثيرا ببقاء سورية موحدة؛ لا تستطيع أصلا التعامل مع سورية موحدة وجديدة في المستقبل. الغرب بلا رؤية؛ سَلم مقاليد الأزمة لدول الخليج وندم، ولم يعد لديه ما يقدمه لسورية غير ملاجئ في البحر!
سورية في عهدة السوريين فقط، وعليهم أن يحسموا أمرها؛ الفيدرالية، أو الفوضى إلى ما لانهاية.
الغد الأردنية