وصف تقرير أصدرته مجموعة تتكون من 21 منظمة غير حكومية، خلال الأسبوع الحالي، سوريا بالكارثة الإنسانية و«وصمة عار على ضمير المجتمع الدولي». وذكر التقرير أن نحو ثلثي السوريين يحتاجون الآن إلى مساعدة عاجلة بسبب العنف الشنيع. وانخفض متوسط العمر المتوقع للسوريين منذ عام 2011 بمقدار 20 عاما. وفي الذكرى الرابعة للثورة، من واجبنا التفكير فيما ينبغي القيام به حاليا. هناك قول مأثور مفاده أن المجنون فقط، هو من يكرر الأخطاء نفسها، ويتوقع نتيجة أفضل في كل مرة. وتحتاج سوريا إلى نتائج أفضل في الوقت الحالي، لذا أود تسليط الضوء على بعض الأخطاء التي ينبغي أن نتوقف عن ارتكابها.
اعتقد نظام الأسد عام 2011 أن الثورة السورية مثل ثورة حماه التي اندلعت عام 1982، وبالتالي يمكن للقوة الغاشمة أن تخمدها. وإلى يومنا هذا، يرفض قبول مفاوضات سياسية حقيقية، وينفي عن نفسه أي مسؤولية عما حدث من دمار للبلاد. ولا يستطيع النظام فهم أنه لا يمكن حل الأزمة بالترهيب؛ فسوريا في 2011 و2015 تختلف عن سوريا في عام 1982. وتختلف توقعات السوريين بشأن المساءلة والتغيير باختلاف طوائفهم.
اعتقد كل من إيران و«حزب الله» أن سعيهما لقيادة المقاومة سوف يحصنهما ضد الاتهامات الموجهة لهما بمساعدة نظام استبدادي قاسٍ. تراجعت مصداقية «حزب الله» بين الكثيرين في العالم العربي. وقدمت إيران بعض المساعدات في الحالات الإنسانية بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة، لكن مصداقيتها تأثرت سلبا هي الأخرى في الدول العربية والغربية لتشجيعها نظام الأسد على السعي لتحقيق نصر عسكري فحسب.
ودعمت روسيا، الأسد من دون فرض أي شروط، مثل السماح بدخول المساعدات الإنسانية، أو الانخراط في التفاوض بشكل جاد. ونتيجة لذلك، ينتقد الكثيرون في أنحاء العالم اليوم، السياسة الروسية نقدا لاذعا رغم المحاولات الجادة الجديرة بالثناء التي يقوم بها بعض الدبلوماسيين الروس على الأرض، بحسب مسؤولين في الأمم المتحدة.
وارتكب الأميركيون أخطاء كثيرة أيضا، وبصفتي مسؤولا سابقا في الإدارة الأميركية، عليّ تحمل بعض اللوم. لقد كنا نأمل أن تكفي بعض الضغوط المحدودة لدفع الأسد نحو التفاوض في جنيف عام 2014. وأضر حديثنا الحماسي بشأن الخطوط الحمراء من دون فعل بأصدقائنا في صفوف المعتدلين السوريين، وحدّ من فرص تحقيق نجاح في جنيف، حيث يجب أن تتسق أفعالنا مع أقوالنا. ويعتقد الأميركيون حاليا أن تنظيم داعش يمثل أكبر مشكلة في سوريا، ويتجاهلون أن عدد السوريين الذين قُتلوا على أيدي نظام الأسد، أكبر من الذين قُتلوا على أيدي «داعش». ومثل روسيا، تأثرت المصداقية الأميركية بالفعل بعد حرب العراق، وتراجعت بسبب مواقفنا في سوريا.
كذلك ارتكبت دول المنطقة الداعمة للمعارضة السورية أخطاء. ودعمت كل دولة من تلك الدول جماعتها المفضلة من دون أي شروط. وفعل الأميركيون هذا أيضا. ومهدت كل دولة ساعدت عملاءها في سوريا من دون إنشاء قيادة عسكرية موحدة في البداية إلى الانقسام والتشرذم في صفوف المعارضة المسلحة، وهو ما ساعد الأسد، وزاد من صعوبة إجراء مفاوضات سياسية، وقلل من فرص مساءلة جماعات المعارضة المسلحة في حال ارتكابها لأي جرائم. لذا على الدول، التي تساعد المعارضة السورية، أن توقف رعايتها ودعمها لجماعات وفصائل محددة، وتقوم عوضا عن ذلك بتقديم كافة المساعدات إلى قيادة سورية موحدة تسعى الدول الأجنبية إلى مساعدة المعارضة السورية في تأسيسها.
إضافة إلى ذلك، على تركيا بذل المزيد من الجهود لضبط الحدود، ومنع تسلل الجماعات المتطرفة، مثل «النصرة» و«داعش». وزادت استراتيجية استخدام المتطرفين للضغط على الانفصاليين الأكراد، ونظام الأسد، من صعوبة التوصل إلى تسوية سياسية، ولم تجعله أسهل.
كذلك ارتكبت المعارضة السورية أخطاء، وعليها أن تتوقف عن ذلك. انتهى الترحيب بالمتطرفين الأجانب في الفترة بين عامي 2011 و2013، لكن المعارضة لا تزال مترددة في إدانة أعمال العنف الوحشية التي ارتكبتها تلك الجماعات الإرهابية. ويعيق هذا التردد إمكانيات الفوز بدعم بعض الأفراد داخل النظام، ممن يريدون التوصل إلى اتفاق سياسي والمقتنعين أن المعارضة ليست سوى مجموعة من المتطرفين المجانين. إضافة إلى ذلك، تركيز المعارضة السياسية في الخارج على سياساتها الخاصة بها في إسطنبول، بدلا من التوجه إلى سوريا، والانضمام إلى الشجعان الذين يقاومون النظام، قد أضرّ بمصداقيتها. كذلك يضر عجز المعارضة في الداخل بإدانة أعمال العنف الوحشية، التي يرتكبها النظام بشكل مباشر وصريح، بمصداقيتها. ومنحت أفعال المعارضة المسلحة في بعض المناطق مثل معلولا، وعدرا، وكسب، واللاذقية، النظام فرصة مثالية للقول إنه يقاتل المتطرفين فقط. وذكرت الأمم المتحدة مرارا أن أعمال النظام الوحشية هي الأسوأ، لكن على المعارضة أن تضع معايير أفضل تتعلق بأفعالها، وبالمساءلة، من أجل الإسهام في التوصل إلى حل سياسي.
وبما أننا في عام 2015، فعلينا جميعا العمل من أجل تحسين فرص التوصل إلى تلك التسوية السياسية في سوريا. أما الآن، فعلى جميع دول العالم زيادة المساعدات إلى المنظمات الإنسانية التي تحاول إنقاذ أرواح السوريين. وعلينا جميعا أن نعمل من أجل التوصل إلى تسوية سياسية مستدامة؛ فمعاناة المدنيين السوريين وصمة عار على جبيننا جميعا.
روبرت فورد
السفير الأميركي السابق لدى سوريا والجزائر والباحث في معهد الشرق الأوسط في واشنطن
الشرق الاوسط