ثمة اكثر من مؤشر على احتمال وصول محادثات جنيف 8 الى طريق مسدود بينها ما يقوله رئيس وفد النظام السوري بشار الجعفري أنهم يغادرون جنيف بعدما انتهت المباحثات بالنسبة لهم ، خصوصا وأن دي ميستورا تعهد لهم بأن لا تتضمن هذه الجولة أي لقاء مباشر مع المعارضة وعدم التطرق بأي شكل من الأشكال إلى بيان الرياض هي وحدها التي دفعتهم لقبول المشاركة في المحادثات .
ثم هناك السجال السياسي المتزايد بين موسكو التي تتهم واشنطن بصب الزيت فوق النار في سوريا لتأجيج الخلافات والاخيرة التي ترد محملة القيادة الروسية نفسها مسؤولية ايصال الامور الى ما هي عليه اليوم من توتر بسبب دورها في سوريا وتخليها عن وعود اخراج الميليشيات الإيرانية من المشهد السوري. وما يردده وزير الخارجية الأميركي ريكس تيلرسون أن محادثات جنيف ” تشكل القاعدة الوحيدة الممكنة لاعادة بناء البلاد وبدء تطبيق حل سياسي لا يتضمن اي دور لنظام الاسد او لعائلته في الحكومة السورية “.
الا أن هناك ما يقول العكس ويدفع نحو سيناريو معاكس حول الحلحلة والانفراج الاقرب في ملف الازمة وهي أمور تتعارض كليا مع احتمالات تصلب النظام وتغريده خارج السرب او تجاهل المعارضة لعروض وخيارات جديدة نحو التسوية الكبرى مثل :
كلام الجعفري حول ان النظام لا يسعى الى مواجهة مع دي ميستورا وانه سيصغي الى ما يقول .
وتاكيدات دي ميستورا انه متمسك بقناعة أن المباحثات تتم وسط ” أجواء مهنية وجدية من الجانبين إلى أقصى مدى وخاصة مقارنة بالماضي “.
ومواصلة روسيا الاستعدادات لفتح الطريق امام ” مؤتمر الحوار الوطني السوري ” الذي بدأت موسكو توجه الدعوات لانعقاده في منتجع سوتشي في شياط / فبراير 2018 المقبل .
من دون ان نهمل موضوع نجاح المعارضة السورية في دخول جنيف 8 بوفد موحد وبسقف سياسي معقول.
والتوافق الاميركي الروسي حول تقديم آلية الحل السياسي وتفاهمات يسبقها مساومات وتنازلات ثنائية في اطار تقاسم الغنائم .
حقائق أخرى تبرز الى العلن وهي أنه رغم أن سقف مناورات الحوار بين وفدي المعارضة والنظام مرتفع جدا وأن كل طرف يتصلب في طرح مطالب وشروط يعرف أنها ستقود في النهاية الى الاصغاء لما سيقوله الاخرون .وفد النظام برفض التطرق إلى موضوع الانتقال السياسي الذي تصر المعارضة على إنجازه قبل الانتقال إلى مواضيع أخرى كالدستور والانتخابات . وهو يريد المراوغة واطالة عمر المفاوضات لاحراج المعارضة من خلال طرح أولوية جديدة هي مناقشة مكافحة الإرهاب. والمعارضة ترى أن لديها سلاحاً مهماً وهو القرارات التي صدرت عن الشرعية الدولية وحددت أسس الحل في سورية وتراهن على ضغط روسي يجبر النظام على تقديم التنازلات التي تقبل بالانتقال السياسي وتشكيل هيئة حكم كاملة الصلاحيات، وإعلان دستوري مؤقت يحرك المرحلة الانتقالية التي يوضع خلالها دستور دائم، وقانون للأحزاب والانتخابات، لكن الذي يتقدم على الارض بدعم وموافقة اقليمية ودولية وكما يرى الكثير من المتابعين هو خارطة الطريق التي يقترحها المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بشأن التسورية السورية على النحو التالي :
الجولة الثامنة من مفاوضات جنيف ستستأنف في 5 كانون الأول/ ديسمبر الحالي : المبعوث الدولي يقول أن أطراف المفاوضات ناقشت المبادئ الـ12 التي طرحها هو وتتعلق بدائرة واسعة من القضايا وتؤثر على كل شيء في الدستور المستقبلي، ” وقد بدأنا ببحث كيفية التعامل من هذه المسألة”.
الجميع يدرك ان المرحلة المقبلة تحت سقف جنيف لن تكون سهلة وان المطلوب في النهاية هو :
فتح الطريق اكثر فاكثر امام بدائل مثل الاستانة وسوشي ومؤتمر الحوار الوطني السوري .
التطورات التي حصلت خلال الأشهر الأخيرة في أستانة تفرض نفسها على جدول أعمال جنيف، ولا يمكن لهذا الاجتماع أن يتقدّم، من دون أن يأخذ بالنتائج التي تحققت على صعيد تفاهمات الدول الضامنة الثلاث .
موسكو في اسوا الاحوال متمسكة بطاولة سوتشي تحت شعار ” مساعدة السوريين في إعادة وحدة البلاد وتحقيق التسوية السياسية للأزمة من خلال عملية شاملة وحرّة وعادلة وشفافة يقودها السوريون وينفذونها بأنفسهم ” ولكن في اطار مفاوضات جنيف وتفاهماتها الى جانب القرار 2254 .
خياران يتقدمان على الارض اولهما ذهاب الجميع الى طاولة حوار بديلة تريدها موسكو في سوتشي او خيار أن تقبل الاطراف بتوسيع مهام اجتماعات الاستانة الثلاثية وتفعيل دورها وتبني القرارات التي ستتخذها .
ثم هناك احتمال أن تكون عملية تركيا على خط ادلب – عفرين تتقدم على خط سياسي موازٍ مرتبطٍ بتذويب ” هيئة تحرير الشام ” وتحويلها الى طرف وازن في المعارضة السورية المعتدلة .
حقيقة اخرى غير معلنة ان يكون دي ميستورا نفسه ” متواطئا ” مع المخطط الروسي باتجاه فتح الطريق امام تقدمه بدعم اميركي اقليمي واعتماد صيغ الحل التي تطرحها موسكو لاختصار الطريق وتقصير المسافات في موضوع التسويات .
يبدو أن الولايات المتحدة، التي استخفت حتى الآن بقوة عملية أستانا، قد أدركت حدود امكاناتها في نهاية المطاف .
ما الذي يعنيه أن تقترح موسكو بشكل مفاجىء ارسال قوات حفظ سلام دولي الى سوريا في اطار تفاهمات محلية اقليمية ؟
هل موسكو هنا تعرض خطة الانتقال من مناطق خفض التوتر الى عملية حفظ سلام دولية ؟
هل كانت قرارات الرياض 2 هي تحضيرية لجنيف 8 وما بعده أم للدعوة الروسية لعقد اجتماع حوار وطني سوري في شباط المقبل ؟
الانتصار الاهم الذي سجلته قوى المعارضة كان دخولها قاعة الاجتماعات هذه المرة اكثر انسجاما ووحدة وقوة بعد اجتماعات الرياض 2 التي وحدت قوى المعارضة في جسم واحد يتحرك سياسيا ودبلوماسيا .
الاتراك يتابعون عن قرب المرحلة الثانية من انتخابات تنظمها الإدارة الذاتية الكردية على ثلاث مراحل في مناطق سيطرتها في شمال سورية، لاختيار مجالس محلية للنواحي والمقاطعات التي يتألف منها كل إقليم من أصل ثلاثة هي عفرين والفرات والجزيرة.
واميركا تحاصر انقرة بقرار التمسك بحليفها الكردي في سوريا وتصر على مشاركة ” قوات سوريا الديمقراطية ” في المفاوضات التي لا تضمهم نتيجة الاعتراضات التركية . والحكومة السورية لا تعترف بالفيديرالية الديموقراطية التي أسسها الأكراد شمال سورية بدعم من الولايات المتحدة، كما أنها لا تعترف بالانتخابات في مناطق سيطرة حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي وربما قد تكون مؤشراً على مفاجات جديدة وتليين مواقف وارجاء مواجهات بين لاعبين ومؤثرين في الملف السوري .
التمدد الميداني الاخير الذي نفذته مجموعة داعش في ريف شمال حلب سيعطي انقرة الفرصة التي كانت تبحث عنها للتقدم الاسرع والاوسع في ادلب وجوارها نحو عفرين تحديدا . وترك ” هيئة تحرير الشام ” امام 3 سيناريوهات: الهيئة بحلة جديدة او التدخل العسكري التركي او اطلاق يد النظام لمساعدة تركيا على الخروج من ورطة عفرين وهو اقتراح روسي يبحث لنفسه عن مكان في مناطق الحدود التركية السورية .
د. سمير صالحة – المدن