انتقلت الجهود الرامية لإنقاذ وقف متداعٍ لإطلاق النار في سورية إلى موسكو يوم الثلاثاء الماضي، في دلالة على مدى نفوذ روسيا في ميدان المعركة، وعلى تنامي القلق بسبب تصاعد حدة التوتر في مدينة حلب السورية الشمالية، والذي أفضى إلى مقتل أكثر من 250 شخصاً في أسبوع واحد فقط.
وقد دفع هذا التطور الكبير والسيئ الذي طرأ على الصراع المتواصل منذ خمس سنوات مبعوث الأمم المتحدة الخاص، ستيفان دي مستورا، للتوجه إلى موسكو. وكانت مباحثات السلام في جنيف قد انهارت في الأسبوع السابق، حتى مع تجديد القوات الحكومية هجومها على حلب. وتم في الهجوم استهداف مستشفى يقع في المنطقة التي يسيطر عليها الثوار، مما أسفر عن مقتل 50 شخصاً. ويوم الثلاثاء الماضي، تعرض مستشفى حكومي للولادة في منطقة خاضعة لسيطرة الحكومة للقصف بقذائف أطلقها الثوار.
قد تكون روسيا هي العنوان الصحيح للخطوات الأولى نحو التوصل إلى حل. وتستطيع موسكو اختيار كبح جماح الرئيس بشار الأسد كما سبق وأن فعلت على نطاق واسع منذ شباط (فبراير) الماضي، من خلال ممارسة الضغط على حليفها في دمشق -أو ببساطة، عبر عدم إشراك ثقلها العسكري الكبير والضربات الجوية في القتال.
نوح بونسي، المحرر رفيع المستوى للشؤون السورية في مجموعة الأزمات الدولية التي تتخذ من بروكسل مركزاً لها: “إن الروس هم المتغير الرئيسي هنا…(و) ستعطينا الطريقة التي تتعامل بها روسيا في حلب في الأيام المقبلة إشارات. فإذا ضغطت روسيا حقاً على النظام من أجل وقف الهجوم، فسيعني ذلك أن روسيا تحتفظ ببعض الجدية بخصوص العملية السياسية في الوقت الراهن”.
ويضيف السيد بوسني أنه منذ بدأت روسيا تدخلها العسكري في أيلول (سبتمبر) من العام 2015 “بدا أن الروس مصممون حقاً على مساعدة النظام في تحقيق تفوق عسكري حاسم. ولكن، عندما وافقت روسيا على وقف الأعمال العدائية وضغطت على النظام لتنفيذه، فقد شكل ذلك مساراً جديداً بالفعل”.
والسؤال الآن هو: كيف ترى روسيا نهاية اللعبة؟ بعد اجتماع موسكو، تمسك وزير الخارجية الروسي، سيرجي لافروف، بالأمل بإمكانية إعادة تطبيق وقف إطلاق النار على حلب “في المستقبل القريب جداً -ربما في الساعات القليلة المقبلة”، وإنما فقط في حال مغادرة الثوار للمناطق التي يجري استهداف الجهاديين المتحالفين فيها. وقال السيد لافروف إن الهدف هو “جعله (وقف القتال) غير محدود من الناحية المثالية”.
وفي الأثناء، قد ترى كل من واشنطن وموسكو على حد سواء القليل من الخيارات غير الحوار لحل صراع يقدر موفد الأمم المتحدة أنه كلف سقوط ما يصل إلى 400.000 قتيل، ومكن مجموعة “داعش” من إعادة الانبعاث، وتسبب في تشريد الملايين من اللاجئين وفي نشر حالة انعدام الأمن، بدءً من العراق وحتى قلب أوروبا.
يقول فواز جرجس، خبير شؤون الشرق الأوسط في كلية الاقتصاد في جامة لندن، والذي نشر كتابه بعنوان “الدولة الإسلامية في العراق والشام: تاريخ” في آذار (مارس) الماضي: “سوف تشكل نهاية الحوار تراجعاً استراتيجياً للروس، لأنه سيترتب عليهم عندئذٍ أن يمتلكوا ميدان المعركة حقاً، وهم لا يريدون ذلك. يجب علينا أن لا ندع غبار التصعيد الراهن للأعمال العدائية يعمينا”.
أثر إيجابي
يوم الاثنين، تحدث لافروف مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، وقال مكتبه إنهما اتفقا على حث الأطراف كافة على “التقيد بوقف إطلاق النار”.
وكانت تلك الصفقة التي تم التوصل إليها في شباط (فبراير) الماضي، والتي توسطت فيها الولايات المتحدة وروسيا، قد أوقفت من الناحية الفعلية تقدما عسكرياً للنظام بدعم من الطيران الحربي الروسي للسيطرة على كل حلب -وهي جائزة استراتيجية تقع جزئياً تحت سيطرة الثوار.
وقال السيد كيري يوم الاثنين إنه كان لوقف إطلاق النار “أثر إيجابي عميق” في إنقاذ الأرواح، لكن العنف الجديد “خرج على السيطرة بطرق عديدة وأصبح مقلقاً بشكل عميق”. وكان السيد دي ميستورا قد طار إلى موسكو يوم الثلاثاء للمطالبة المباشرة بدعم روسي أقوى لإعادة إطلاق وقف إطلاق النار.
ويقول السيد جرجس: “أعتقد أن الروس يلعبون دوراً مقيداً في حلب راهناً، على عكس دور المفسد”.
ويضيف: “لن يتمكن الأسد وحلفاؤه من تخطي بوتين. إنهم يحتاجون إلى روسيا ومستقبلهم السياسي يعتمد على بوتين بطرق عديدة… نحن نعرف كم كان التدخل العسكري الروسي (في سورية) محورياً”.
حتى الآن، اتخذت روسيا بعض الخطوات لدعم الضربات الحالية للنظام، وإنما بنزر يسير من المستوى الذي كانت قد دعمت به حتى شهر شباط (فبراير) الماضي. وتقول روسيا أن العمل الحالي يستهدف فقط “جبهة النصرة”، المجموعة التابعة لتنظيم القاعدة وغير المشمولة بباتفاق وقف إطلاق النار.
وربما كان هناك سبب آخر وراء تراجع موسكو عن دعمها للقوات الموالية للأسد، والتي تحاول استعادة السيطرة على حلب.
لا يقتصر الأمر على أن ثاني كبريات المدن السورية تعتبر جائزة استراتيجية وحسب، وإنما لأنها مركز الجاذبية للمعارضة في شمالي سورية و–على نحو حاسم- “آخر جزء في الشمال حيث ميزان القوى فيما بين الثوار يميل لصالح المجموعات غير الجهادية، والتي تشكل القوة المهيمنة”، وفق ما يقوله بونسي.
ويقول بونسي إن السيطرة على حلب وتوجيه صفعة للمعارضة غير الجهادية ينطوي على مغزى سياسي كبير، لأن مباحثات السلام تتطلب شريكاً غير جهادي لتنفيذ أي صفقة.
وينتقل بونسي إلى القول: “إذا قضيت على تلك المعارضة غير الجهادية أو أضعفتها أو أعقتها، سيكون من الصعب في الحقيقة تصور كيف يصل هذا الصراع إلى نهاية متفاوض عليها”. ويخلص بونسي إلى القول: “يضعنا ذلك على مسار حرب لا نهاية لها بين نظام أضعف كثيراً من تأكيد نفسه في كثير من أنحاء البلد، ضد المجموعات الجهادية التي لن تتفاوض معه أبداً”.
الغد