بينما تأمل الحكومة السورية في أن يؤدي الحصار الشديد إلى قهر معاقل المعارضة في مدينة حلب، فإن حقيقة الأمر، أن قوات الرئيس السوري بشار الأسد لا تسيطر على زمام الأمور هناك.
إذ يتولى تنفيذ هذه المهمة آلاف من رجال الميليشيات الشيعية من لبنان والعراق وباكستان وأفغانستان من الموالين لإيران التي تعتبر أهم حلفاء الرئيس بشار، حسب تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأميركية.
وقد قدم هؤلاء المقاتلون العقائديون خلال الجزء الأكبر من الحرب الأهلية في سوريا الدعم إلى الجيش السوري الهزيل. ويطلعون حالياً بدور حيوي للغاية في محاولة منهم للسيطرة على شرقي حلب الخاضعة لسيطرة المعارضة من خلال تنسيق هجماتهم مع القوات الحكومية والطائرات الحربية الروسية المتحالفة مع الأسد.
وقال فيليب سميث، خبير في شؤون المليشيات الشيعية بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، أنه يبدو أن المليشيات تشكل تحالفاً برياً يدعم نفوذ إيران في سوريا، بل وينبه المسؤولين بحكومة الأسد للمخاطر المحدقة.
وذكر “إنهم يشكلون قوة برية سوف تتمركز هناك لما بعد انتهاء الحرب وتمثل جيشاً قوياً وتحظى بنفوذ عقائدي في سوريا لصالح دولة إيران”.
وبينما يحول رجال الميليشيات هؤلاء دون الإطاحة بحكومة الأسد، فإنه ليس هناك ما يمكن أن يفعله الأسد للحد من النفوذ المتنامي لهذه المجموعات، رغم أن المسؤولين السوريين مهتمون للغاية بهذا الشأن.
ويذكر المحللون أن إيران استغلت المليشيات الشيعية منذ عهد طويل في بلدان أخرى من أجل استعراض قوتها. وتتضمن الجماعات العديد من الفصائل التي تسيطر على السياسة العراقية، بالإضافة إلى مليشيا حزب الله اللبنانية، التي تعد أكثر قوةً من الجيش اللبناني ذاته.
وقد أصابت إيران ومليشياتها المسؤولين الأميركيين بالإحباط وخيبة الأمل. وبينما يشترك الجانبان في معاداة تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) بالعراق، إلا أنهما يختلفان حول سوريا، إذ يتلقى المعارضون المناهضون للأسد التمويل والسلاح من واشنطن وحلفائها.
ويرى المحللون أن إيران يمكنها في النهاية أن تجد نفسها في منافسة مباشرة مع روسيا على فرض النفوذ في سوريا.
منافسة إقليمية
وقد أدى تواجد المليشيات الشيعية في سوريا أيضاً إلى إشعال المنافسة الإقليمية والدينية بين إيران والمملكة العربية السعودية، التي تدعم الثورة السنية في سوريا.
وذكر فواز جرجس، أستاذ السياسة الشرق أوسطية بمدرسة الاقتصاد بلندن، أن نتائج الاستعانة برجال المليشيات يمكن أن تكون جوهرية. فإذا تمكنت الحكومة السورية من السيطرة على جميع أنحاء حلب، سوف ترجح الكفة لصالح إيران بما يؤدي إلى القضاء على طموحات السعودية وأفراد المعارضة الذين اجتاحوا شرقي المدينة عام 2012.
ورأى أن “هزيمة المعارضة في حلب ستصبح بمثابة نقطة تحول يسيطر من خلالها الأسد على معظم المراكز الحضرية في سوريا. وتكون نكسة للمملكة العربية السعودية في منافستها الإقليمية مع إيران، بما يؤدي إلى تزايد نفوذها في سوريا بصورة أكبر”.
وقد تزعمت عشرات المليشيات الموجودة بحلب عملية فرض الحصار المشدد على المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة، حيث يواجه أكثر من مائتي ألف شخص نقصاً حاداً في الغذاء والدواء. وطالب المقاتلون أيضاً روسيا والقوات الجوية الحكومية بشن ضربات جوية أدت إلى تدمير مستشفيات ومساكن وبنية تحتية في تلك المناطق.
وفِي المقابل، قامت المعارضة بقصف غربي حلب الخاضع لسيطرة القوات الحكومية، ولكن الدمار الذي حاق بتلك المناطق لم يكن شديداً.
وشن مقاتلو المعارضة هذا الشهر هجوماً مضاداً، ولكنهم ناضلوا من أجل كسر الحصار. وأثبتت القوة الجوية –وخاصة لدى روسيا– أنها تمثل عقبة كبرى أمامهم.
وذكر زكريا ملاهفيجي، عضو قوات “فاستقم” المعارضة، الخاضعة لمظلة الجيش السوري الحر، أن رجال المليشيات أيضاً أثبتوا أنهم يمثلون عقبة أخرى.
وقال “إنهم يقاتلون بكل مشاعرهم ويشنون هجمات منسقة تنسيقاً تاماً. وأتذكر في إحدى المعارك أن هؤلاء المقاتلين ظلوا يتساقطون الواحد تلو الآخر. ويطلق أحدهم النار ثم يصاب ويلقى حتفه، ثم يسقط آخر ثم آخر؛ ثم يقوم مقاتل آخر بنفس الشيء في نفس الموقع تماماً. وقد ماتوا جميعاً. وكان لديهم دافع داخلي للقيام بذلك”.
ولم تُظهر القوات الموالية للحكومة أي دلائل على تهدئة الهجمات على المدينة، رغم الجهود المكثفة التي يبذلها مبعوث الأمم المتحدة إلى الدولة المنكوبة ستيفان دي ميستورا من أجل وقف القتال.
ويوم الأحد، رفض وزير الخارجية السوري وليد المعلم مقترحاً قدمه المبعوث الأممي لسوريا دي ميستورا ينص على انسحاب مقاتلي المعارضة من شرقي حلب مقابل استعادة الهدوء للمدينة. وذكر المعلم أن استعادة معاقل المعارضة هناك هو “أمر سيادي”، بحسب ما ذكرته وكالة أنباء أسوشييتد بريس.
وقال “إننا اتفقنا على ضرورة انسحاب الإرهابيين من شرقي حلب لإنهاء معاناة المدنيين بالمدينة”. ويشير المسؤولون السوريون إلى معظم، وإن لم يكن كل، خصوم الحكومة باعتبارهم “إرهابيين”.
متطرفون
وشارك السنة المتشددون من أنصار تنظيم داعش وغيرهم من المتطرفين في الثورة على نظام الأسد التي بدأت سلمياً عام 2011 قبل أن تتحول إلى حرب طاحنة. ولعب المتمردون التابعون لتنظيم القاعدة دوراً بارزا بين قوات المعارضة.
وترى المعارضة السورية أن رجال المليشيات الموالية لإيران متطرفون.
وذكر عبد المنعم زين الدين، رجل الدين المشارك مع قوات المعارضة في المعارك داخل حلب “إنهم يبسطون نفوذ إيران وعقيدتهم المتطرفة، ولكن ثورتنا لا علاقة لها بالدين، بل ترتبط بالحرية والكرامة”.
وتزعم المليشيات أن مشاركتها بالحرب الأهلية تتعلق بالدفاع عن الأضرحة الشيعية بالبلاد، ومحاربة الجماعات السنية المتطرفة.
وقال هشام الموسوي من حركة النجباء، وهي المليشيا العراقية التي يشارك مقاتلوها أيضاً في المعارك بحلب “لا نريد عنفاً طائفياً. بل نريد حماية سوريا وحماية كل المقدسات من الإرهاب ومن الجماعات الإرهابية التي تمولها المملكة العربية السعودية وتركيا وقطر والولايات المتحدة”.
ولم يتضح كيف يشارك العديد من رجال المليشيات الشيعية وفصائل المليشيات في معركة حلب. وقد لقي مئات، بل آلاف من المقاتلين مصرعهم خلال الحرب، ومن بينهم جنرالات من الحرس الثوري الإيراني.
كم عددهم؟
وذكر آفي ديشتر، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والدفاع بإسرائيل، هذا الشهر أن هناك نحو 25 ألفاً من الشيعة يقاتلون في سوريا. ويذكر محللون آخرون أن العدد أقل من ذلك.
وتراقب الاستخبارات الإسرائيلية القتال في سوريا عن كثب، وخاصة دور حزب الله في النزاع. وأصبحت مليشيات حزب الله اللبنانية أكثر قوة منذ أن خاضت حرباً طاحنة مع القوات الإسرائيلية عام 2006، ويرجع ذلك إلى شحذ مهاراتهم القتالية في سوريا.
وتدخل حزب الله في سوريا في مرحلة مبكرة من الحرب لمساعدة قوات الأسد على التخلص من المعارضة في المناطق الغربية الرئيسية من البلاد.
وذكر ديشتر “أدى القتال إلى دعم قوات حزب الله ورفع كفاءتها القتالية في مجال الحروب التقليدية”.
وفي حلب، يضطلع حزب الله والحرس الثوري الإيراني بأدوار قيادية بارزة ويوجه رجال المليشيات الشيعية الأجنبية، الذين تم تجنيدهم وتدريبهم في إيران.
وأشار المحلل سميث إلى أن الفصائل تتعرف على كيفية التغلب على قضايا، مثل الاختلافات اللغوية، ما يساعد على رفع كفاءتهم في تنسيق الهجمات البرية.
وأضاف أن “التاريخ يثبت أنه حينما تقوم إيران بتشكيل مثل هذه الجماعات، على غرار حزب الله اللبناني، فإنهم لا يتخلون عن حمل السلاح ولا يتراجعون أو يتركون الإقليم الذي يخضع لسيطرتهم. سوف يظلون في سوريا لسنوات وسنوات، وسيكون لذلك تبعات وخيمة على الجميع”.