«كشف تنظيم الدولة الإسلامية عن الدليل للجريمة التاريخية لعصابة الاسد حينما فجر سجن تدمر الشهير». بهذه الكلمات لخص أحد المعارضين السوريين، محمد صرميني، الدراما التي حدثت يوم السبت في مدينة تدمر في شرق مقاطعة حمص في سوريا.
بعد سيطرة التنظيم على المدينة بعشرة ايام، كشف عما سمي من قبل الشاعر السوري، فرج بركدار، «مملكة الموت والجنون». لقد كان هناك مدة اربع سنوات كسجين سياسي، وكتب قصائد في السجن بواسطة أوراق الشاي والبصل والخشب وما يمكن حفظه في الذاكرة.
كُتاب عرب بنوا أنفسهم من قصص من تحرروا من السجن. من كان سجينا في تدمر لم يرَ ضوء الشمس، وتعرض للتعذيب الشديد وخرج مع ندبة نفسية. هناك أسرى، معارضين للنظام وأسرى حرب، صلوا لله من اجل أن ينقذهم من العذاب الشديد في الأقبية.
لقد بث تدمير السجن الفرحة لدى المعارضة السورية، لكن كان إلى جانب ذلك انتقادات. فقد قيل إن تنظيم الدولة قام بتخريب سجن السلطة لاعتبارات العلاقات العامة. وقيل ايضا إن الامر رمزي فقط ويبشر بنهاية سلطة بشار الاسد.
نشطاء في المعارضة أشاروا في تويتر أن «سجن تدمر كان شهادة على جريمة القرن». وزعم آخرون أنه كان يفترض إبقاءه ليرى العالم كيف أخافت عائلة الاسد وكيف عذبت الناس. لا تكفي الصور التي نشرها تنظيم الدولة والتي تظهر غرف العزل، حيث تم تعذيب الأسرى، وعانوا وماتوا موتا بطيئا. وفي المكان كان هناك أسرى اسرائيليين في حرب يوم الغفران.
يتمنون الموت
في نهاية الاسبوع أدخل نشطاء تنظيم الدولة الإسلامية مواد متفجرة في براميل إلى داخل السجن المعروف. وأعلن التنظيم أن قوات بشار الاسد هربت من المكان. وبقي فيه بضعة أسرى مسيحيين غير سوريين سيُجبرون على الإسلام، مع امكانية الانضمام لصفوف تنظيم الدولة، أو العيش مثل أي مواطن آخر في المدينة.
عمل سجن تدمر خلال عهد الاسد الأب، حافظ، وهناك سوريون ولبنانيون وفلسطينيون واردنيون ينتظرون حتى اليوم معرفة ماذا حدث مع اقاربهم الذين دخلوا إلى هناك ولم يخرجوا. قائمة طويلة من الأسرى الذين تم اختطافهم على أيدي اجهزة الامن التابعة لعائلة الاسد منذ العام 1975 وحتى 2004، وهي تنشر في الشبكات الاجتماعية. يوجد اسم لكل أسير، تاريخ اختفاء، لكن المصير غير معروف. ايضا مكان الدفن لن تتم معرفته.
من شهادات الأسرى الذين خرجوا من السجن تظهر 7 مذابح. هناك من يزعم أنه توجد قبور تحت السجن. محمد برّاك الذي كان معتقلا 13 عاما في تدمر يقول: «الأسرى في السجن تمنوا الموت. كان الموت أكثر رحمة من يوم واحد في السجن. المعتقلون كانوا يتعرضون لتعذيب يستمر 6 ـ 7 ساعات. واحيانا كان ينتهي بالموت بسبب الألم».
حسب بضعة مواقع في العالم تختص بهذا الشأن، فان سجن تدمر يأتي في المرتبة الثانية في قائمة السجون الأكثر قسوة. وهو ايضا أحد الاماكن العشرة الأكثر حماية على الاطلاق.
كان للسجن مدخل واحد، عن طريق نفق، ولذلك فان فرصة الهرب منه معدومة. كانت للشرطة فيه قوة مطلقة ـ صلاحية للاغتصاب، للتعذيب والقتل.
تم بناء السجن في البداية كموقع عسكري، في عهد الانتداب الفرنسي على سوريا في الثلاثينيات من القرن الماضي. بعد ذلك تحول إلى موقع عسكري سوري. وفي السبعينيات تحول إلى سجن للمعتقلين السياسيين على يد الاسد الأب.
الاخوان المسلمون في سوريا يتذكرون جيدا هذا السجن والمذابح التي نفذت بحقهم في بداية الثمانينيات. في عام 1980 وصل جنود يتبعون لرفعت الاسد في الطائرات إلى السجن ودخلوا إلى ساحته وبدأوا باطلاق النار على الأسرى كرد على محاولة اغتيال الاسد الاب. منظمات حقوق الانسان ادعت في حينه ان حوالي 1.000 ـ 2.400 أسير قتلوا دون تمييز. تطلب الامر اسبوعين لتنظيف الدماء التي سكبت.
بشكل رسمي اغلق السجن عام 2001 عند موت حافظ الاسد وتولي ابنه بشار الرئاسة. وهناك من تمنى ان يكون هذا جزءا من عملية اصلاحية ولكن هناك ضابط سوري قدم شهادة بان السجن لم يغلق ابدا. الضابط أحمد رحال الذي هرب من النظام ادعى أن «بقي سجن تدمر مفتوحا واستقبل الاسرى طوال الوقت».
عام 2011 فتح السجن من جديد بشكل رسمي ووضع فيه المتظاهرون السوريون للربيع العربي ومصير البعض منهم غير معروف.
احيانا كان في السجن 6.500 شخص، في ظروف غير انسانية. الكثيرين ماتوا وقبروا في الصحراء دون ابلاغ عائلاتهم. بالاضافة إلى الاخوان المسلمين كان هناك ايضا علمانيين، كُتّاب وشعراء ومثقفين واقرباء متهمين، بما في ذلك اطفال تحت سن 12 عام.
عام 1995 حرر من السجن 1.200 أسير بمناسبة 25 سنة لسلطة الاسد الاب. بعد ذلك نشرت منظمات حقوق الانسان تقرير شامل عن الحكومة السورية بانها لا زالت تمس بشكل ممنهج بحقوق الانسان. وفي تقرير آخر لـ «امنستي» خلال سنوات التسعين، ذكر40 نوع من التعذيب في سجن تدمر كباقي السجون السورية. وقد كتب التقرير بمساعدة اسرى بقوا عى قيد الحياة.
الكرسي السوري
الكرسي الاكثر شهرة هو «الكرسي الالماني». يدي وارجل الضحية مربوطة من الخلف وقضيب حديدي موجود وراء الظهر. الظهر يكسر تقريبا فيعاني من شلل جزئي لمدة اسابيع. وفي سجن تدمر حصل هذا الشيء على نوع من التحسين ويدعى «الكرسي السوري».
قال الكاتب العراقي داود البصري: «المواطن العراقي صاحب الجنسية السويدية اتهم في سوريا عام 1984 بالعضوية في حركة السلطة في العراق بقيادة صدام حسين. وقال لي انه اغتصب واجبروه على اخذ حبوب لزيادة الطاقة الجنسية. حتى اضطر كل سجين إلى اغتصاب زميله في الزنزانة. قال لي ذلك وهو يبكي. الاسرى كانوا يدفنون في الصحراء مثل الحيوانات.
حسب منظمات حقوق الانسان فان اطفال وشبان كثر امضوا معظم حياتهم في سجن تدمر منذ سنوات الثمانين ومعظمهم اتهموا بالانتماء إلى الاخوان المسلمين وقد اعترفوا بجميع التهم. بعد تلك المذبحة المشهورة بشهرين سن حافظ الاسد قانون أن من يتصل مع الاخوان المسلمين حكمه الموت. احيانا كان هناك 2000 ولد في العزل.
ادعت حركة الاخوان المسلمين في الاردن انها نجحت في رصد اسماء 932 طالب اعتقلوا في سنوات الثمانين وبقوا احياء حتى 1995 أي 15 عام بعد اعتقالهم. البعض منهم اطلق سراحه في تلك السنة ولم تنشر قائمة بالاسماء، رغم طلب منظمات حقوق الانسان. هذه المرة الاولى التي يخرج فيها سجن تدمر من ايدي عائلة الاسد بعد 45 عام. صحيح أن تنظيم الدولة سيطر على المدينة القديمة بسبب مكانتها الاستراتيجية وليس بسبب السجن، لكن التنظيم لم يتردد في استغلال الرمزية لهذا السجن وقام بدميره.
فيصل عيتاني، وهو صحافي عربي يعيش في واشنطن يقول: «سجن تدمر هو رمز لسلطة القمع والسيطرة عليه هي اشارة لقلة الحيلة للنظام الحالي واثبات على قوة تنظيم الدولة».
يتساءلون في لبنان اليوم أين اختفى 600 اسير لبناني كانوا في السجن. المعلومات القادمة من سوريا تشير إلى أن النظام قام باخلاء 7.000 اسير قبل معركة تدمر بيومين فقط.
والمفارقة هي ان التنظيم الاكثر فتكا وقتلا يستخدم اليوم صور انتظرها العالم الحر والمتحضر: تدمير أحد السجون الاكثر بشاعة في العالم.
معاريف 1/6/2015