نشرت مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” تقريرا لمراسلتها دومينيك سوقويل، حول اغتيال الصحافي السوري ناجي الجرف في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا، حيث قالت إن الاغتيال كانت فيه رسالة قوية للناشطين والمواطنين الصحافيين، مفادها “أنكم لستم آمنين في تركيا”.
وينقل التقرير عن الناشط السوري الكردي خصر شيخموس، الذي يعيش مثل غيره من اللاجئين في غازي عنتاب، قوله: “عرفوا من يختارون هدفا، فقد استهدفوا شخصا ليتسببوا بالألم لنا جميعا، شخصا كان قريبا منا جميعا، وبكى الرجال والنساء في جنازته، كلنا بكينا”.
وتشير الكاتبة إلى أنه تم اغتيال الجرف يوم الأحد في وضح النهار، بينما كان ينتظر سيارة أجرة، بعد أن اشترى غداء لزوجته وابنتيه من مطعم، بحسب أصدقائه، وكان يقف خارج “أوزر بلازا”، وهو سوق تم تحويله إلى مكاتب للمؤسسات العاملة لسوريا، وبحسب معظم الشهادات، فإن مسلحا ملثما أطلق عليه النار مرتين وفر هاربا في سيارة لا تحمل لوحات تسجيل.
وتبين الصحيفة أنه يبدو أن اختيار الهدف واختيار موقع التنفيذ كان محسوبا بشكل جيد. فقد كان الجرف رئيس تحرير صحيفة “حنطة”، وأصدر حديثا فيلما حول الناشطين الذين قتلهم تنظيم الدولة في مدينة حلب السورية بين عامي 2013 و 2014، وكان أيضا ناقدا لنظام بشار الأسد، وساعد في تدريب المئات من المواطنين الصحافيين في أنحاء بلاده كلها التي مزقتها الحرب.
ويلفت التقرير إلى أنه في غياب بيان رسمي يعلن المسؤولية عن الاغتيال، يشك الكثيرون في أن تنظيم الدولة يقف خلفه، وإن تم تأكيد هذا، فسيكون الجرف هو الصحافي السوري الثالث الذي يغتاله التنظيم على الأراضي التركية، في حملة تهدف إلى إسكات كل من ينشر المعلومات عن تلك الشبكة الإرهابية، بغض النظر عن أين يعيشون.
ويقول شيخموس للصحيفة: “أرادوا سرقة الأمل الذي يزرعه ناشطو المجتمع المدني المسالمون والمستقلون، وهذا يعني أنهم يخافون الكاميرا أكثر من البندقية. ويستطيع المتطرفون الوصول إلينا جميعا؛ لأننا لا نخفي وجوهنا، بل هم من يعيشون بلا وجوه، إنهم يتخفون خلف الأقنعة؛ لأنهم يعرفون كم هي بشعة وجوههم”.
وتذكر سوقويل أن تنظيم الدولة أعلن من فترة قريبة مسؤوليته عن قتل إبراهيم عبد القادر وفارس حمادي في مدينة أورفا، جنوب تركيا. وكان الصحافيان على علاقة بشبكة “الرقة تذبح بصمت”، التي توثق أنشطة تنظيم الدولة واعتداءاته في عاصمة ما يدعى “الخلافة”.
ويورد التقرير، الذي ترجمته “عربي21″، أنه منذ ذلك الحين اتخذ الناشطون على الحدود مع سوريا احتياطاتهم، خاصة أولئك الذين يركزون على تنظيم الدولة في أنشطتهم. ويقول منسق لجنة حماية الصحافيين في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا شريف منصور: “لا يشعر الصحافيون السوريون، الذين هربوا إلى تركيا لأجل أمنهم، بأي شكل من الأمن، ندعو السلطات السروية إلى اعتقال ومحاكمة قتلة ناجي الجرف بسرعة وبشفافية، وإلى تكثيف الإجراءات لحماية الصحافيين السوريين الموجودين على التراب التركي”.
وتكشف الصحيفة عن أنه من بين 69 صحافيا قتلوا بسبب عملهم عام 2015، كانت المجموعات الإسلامية المتطرفة، مثل تنظيم الدولة وتنظيم القاعدة، مسؤولة عن قتل 40% منهم، بحسب تقرير نشرته لجنة حماية الصحافيين الثلاثاء. كما أن ثلثي الصحافيين الذين قتلوا بين 1 كانون الثاني/ يناير و23 كانون الأول/ ديسمبر، تم اختيارهم للقتل، وأكثر من نصفهم وصلتهم تهديدات قبل قتلهم.
وتورد الكاتبة نقلا عن علاء الدين الزيات، وهو صديق آخر للجرف، قوله إن “تهديدات عبر (سكايب) كل يوم أو يوما بعد يوم” وصلت صديقه، وأضاف أنه كانت هناك محاولات اغتيال سابقة له. وكان الجرف قد حصل على لجوء في فرنسا له ولعائلته، وجاءت وفاته ليلة سفره، وكان قد ودع الناس مسبقا.
وينقل التقرير عن مدير “بيتنا سوريا” أسعد العشي، قوله: “كثير من الناس خائفون؛ لأن ذلك يعني أننا جميعا أهداف”. ويقول أحد مؤسسي “أنا برس”، التي تغطي أخبار سوريا، رامي جراح، إن الاغتيال الأخير هو نكسة للجهود الرامية إلى نشر الوعي، وتسريع وتيرة الحرب الإعلامية على تنظيم الدولة. لذا يتردد المزيد من الناس في التقدم في مشاريعهم في هذا المجال.
وتختم “ساينس مونيتور” تقريرها بالإشارة إلى قول جراح، الذي تحدث من حلب: “هذه كانت بالتأكيد رسالة، فتنظيم الدولة معزول، وأبعد تماما من وصفه بأنه جزء من المعارضة ضد الأسد، وأي عمل آخر يبرز خلافات تنظيم الدولة مع بقية المعارضة، ويأتي من المعارضة ذاتها، يعد خطا أحمر بالنسبة للتنظيم، وكان عمل ناجي مثالا على ذلك”.
عربي 21