طفلة بعمر الزهور، لم تكن تعلم أن حلمها بشراء ملابس العيد سيفقدها عينها، خرجت “إيثار” إلى السوق فرحةً برفقة والدتها قبل يومين من شهر رمضان المبارك، بعد أن قضت يوما شاقا من البكاء لإقناع والدتها بالذهاب إليه، لكن قدرها سبق فرحتها وسرق منها براءة طفولتها لتكمل حياتها بعين واحدة.
تقول والدتها “مها” وهي تنظر لابنتها بعين نادمة وتلوم نفسها:” أنا السبب ياريتني ما سمعت كلمتها وأخدتا ع السوق، كانت طايرة من الفرحة من سنتين ما جبتلا تياب جديدة، كل تيابها من البالة”، تصمت قليلا وتتنهد ثم تكمل حديثها:” بعد ما وصلنا ع السوق بلشت أجهزة الإنذار تنزر بوجود الطيران بالأجواء وتدوي بكل أرجاء مدينة إدلب، كنت قريبة ع دكان زوجي، دخلنا لعندو لنحتمي، ويا ريتنا ما دخلنا”.
تكمل باكية بعد أن تذكرت ذلك اليوم المشؤوم:” ما لحقنا ندخل إلا وضرب صاروخ قدام المحل، من الغبرة والنار الي شتعلت ما شفت قدامي حسيت حالي متت، وبنتي ما شفتها بس صوت صراخا لهلأ بسمعي، “ماما، ماما، عيني فيها دم، ما عم شوف شي”.
شعرت “مها” يومها أن الدنيا أوشكت على الزوال، وأن كابوسا مرعبا أحاط بها، لم تستوعب ما حدث ولم تستطع أن تصف لنا هول المشهد بل اكتفت بالبكاء والدعاء على من حرم ابنتها نور عينها جراء شظية حديدية اخترقتها، لم تدرِ وقتها ماذا تفعل فويلها عين ابنتها النازفة، أم قدمها المصابة بعدة شظايا ما رمتها أرضا.
تكمل مها:” كل شيء بتذكرو ساعتها أصوات الناس وسيارات الإسعاف، والدخان الي عم يطلع من محلات السجاد وحابينن عم يصرخو ويقولو نخرب بيتنا كل البضاعة احترقت، ما قدرت وقف عرجليي، حملني زوجي والدفاع المدني حمل بنتي ولما صحيت لقيت حالي بمشفى باب الهوى ورجلي مخيطة، وبنتي جنبي عم تصرخ من وجعها، وعينها مضمدة بالشاش، يا ريت رجلي انكسرت قبل هاد الشي ولا شوف بنتي بهاد المنظر”.
بعد كشف الأطباء عن عين “إيثار” تبين أن الشبكية تضررت وتحتاج لعملية مستعجلة لإيقاف النزيف، وقرر والدها أن يبيع البيت كونه لا يملك غيره لتغطية تكاليف العملية، إلا أن أهل الخير لم يسمحوا له بذلك وجمعوا له من تجار السوق المبلغ، وأجريت العملية لإيثار في دمشق نظرا لعدم وجود جراحة عينية في إدلب أو في المناطق المحررة المجاورة، لينتهي بها الحال بعين بلورية كإجراء تجميلي لتكمل بقية حياتها بعين واحدة.
جاء العيد بغير حلة، دون فرحة، عيد لا يشبه الأعياد، وضعت إيثار ملابس عيدها على سريرها وبدأت عيناها اللتان لا تكاد تبصر بهما بالبكاء، وتقول لأمها:” كيف بدي ألبسن وفرجيهن لبنات الجيران، مارح يرضوا ايلاعبوني معن أنا ما رح شوف متل قبل، ماما خدي تياب العيد ما بدي ياهن، إذا رجعتن برجع بشوف متل قبل؟”.
“إيثار” طفلة كسائر أطفال سورية الإرهابيين، فهي مَن دمر سوريا، وهي من أشعلت الحرب، ومن هجرت الملايين.. مهما حاولتم قتل البراءة في نفوس أطفالنا لن تتمكنوا من ذلك، فإرادة الله أقوى من طائراتكم، وأطفالنا هم من سيعيد بناء سوريا بعد أن نتخلص من إجرامكم.
المركز الصحفي السوري ـ سماح الخالد