يعتقد المسلمون أن شهر رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن على النبي محمد. هذا الأسبوع، الملايين من المسلمين حول العالم استقبلوا بداية الشهر المقدس، الذي يتخلله زيادة في الصلوات والصيام اليومي من بزوغ الفجر وحتى غروب الشمس.
يعتبره المسلمون شهرا للتمرين، خاصة أولئك الذين يصومون ساعات أطول من غيرهم. فالمسلمون الأتراك، على سبيل المثال، ربما يمضون ساعات صيام أطول من المسلمين في أندونيسيا، خاصة عندما يأتي رمضان خلال الصيف.
الجغرافيا وحر الشمس يؤثر بصورة كبيرة على مخرجات الاقتصاد خلال هذا الوقت. بعض الدول الشرق أوسطية تقلص أوقات الدوام خلال رمضان وتفرض قوانين تمنع فيها العمل في الخارج وفي الهواء الطلق.
مثل هذا الصيام لفترات طويلة ربما يكون ضارا لاقتصاد البلاد الإسلامية، وفقا لتقرير نشر العام الماضي من قبل جامعة هافارد كتبه كل من الأستاذ فيليب كامبنيت ودافيد ياناغزوا دروت. حيث جاء فيه:” إننا نرى أن الوقت الطويل للصيام في رمضان له أثر سلبي على النمو في البلاد الإسلامية، قياسا بالناتج المحلي الإجمالي للعامل أو الناتج المحلي الإجمالي للفرد أو الناتج الإجمالي الكلي”.
لا يتفق المسلمون متى يبدأ الشهر ومتى ينتهي، لأن التقويم الإسلامي تقويم قمري ويعتمد على مراحل عمر القمر. ولكنهم متفقون على أمر واحد: ما إن ينتهي الصيام، فإن الوقت يحين للأكل والصلاة وتحل الفرحة.
خلال عطلة عيد الفطر، يتمتع المسلمون بأنواع الأطعمة التي تحل لهم ويتجنبون أطعمة أخرى لا يسمح لهم بها. قالت سمية عثماني وهي مختصة في شئون الطعام لصحيفة نيويورك تايمز:”في العيد، يسمح لك بتناول كل الأمور الغنية مثل الحلويات والأطعمة الدسمة”.
توافر الطعام، وغيابه يلعب دورا هاما في جميع الأديان الرئيسة. حيث شرع الصيام ليجعلنا أكثر قربا من الخالق، وأن تذكرنا آلام الجوع التي نشعر بها بمعاناة وتضحية أولئك الذين سبقونا.
في الشرق الأوسط الذي تمزقه الحروب، استخدم الطعام كسلاح، ولا يشكل موسم رمضان الحالي أي استثناء لذلك. مع استمرار الحرب الأهلية في سوريا منذ خمس سنوات مع عدم وجود أي نهاية تلوح في الأفق، فإن حكومة الأسد تحولت إلى تكتيكات الحصار والتجويع في محاولة منها لاستعادة الأراضي من الجماعات المعارضة المختلفة التي تحتل أجزاء من البلاد.
في داريا، إحدى ضواحي دمشق –إحدى أربعة مناطق تعتبرها الأمم المتحدة محاصرة من قبل قوات الأسد وحلفائه- فإن حالات سوء التغذية آخذة في الارتفاع، وهي تؤثر على الأطفال وعلى كبار السن بصورة كبيرة. يخشى مسئولو الأمم المتحدة أنه إذا واصلت الحكومة منع عمال الإغاثة من الوصول إلى هذه المجتمعات، فإن العديد من أفرادها سوف يجوعون حتى الموت.
قال المتحدث باسم الأمم المتحدة أحمد فوزي في بيان صحفي موجز مؤخرا:” منع المساعدات قضية سياسية. إن داريا تقع على بعد 12 كم من دمشق، ولهذا فإننا يمكن أن نصل إليها ولكننا بحاجة إلى إذن من الحكومة”.
بالتأكيد فإن الجوع والحصار ليس تكتكيا جديدا بالنسبة لدمشق، ولكن مثل هذه الإجراءات يكون لها أثر قوي دون شك في أوقات الصيام والواجبات الدينية. كأحد أركان الإسلام، فإن قرار الصيام من عدمه أمر هام لأي مسلم خاصة أولئك الذين يعيشون تحت الحصار وفي حالة الحرب.
الأمر نفسه ينطبق على أولئك الذين يعيشون في المناطق التي يسيطر عليها الأسد نفسه. في دمشق، دفعت الحرب أسعار البقالة والأساسيات الأخرى إلى مستويات عالية، مما أجبر المسلمين على تقليص أو إلغاء بعض العادات كاملة كانت تشكل لهم روتينا في مواسم رمضان الماضية التي كانتأكثرسلاما.
تذمرت إحدى النساء الدمشقيات مؤخرا لقناة العربية قائلة:” اعتادت العائلة على أن تعيش على 70 دولار في الشهر، ولكن الآن أنت بحاجة إلى 1000 دولار”.
ثمن استمرار العنف الطويل على امتداد الشرق الأوسط لا يؤثر على المنطقة وسكانها فقط، ولكن على العالم برمته. في الواقع، وجد تقرير صدر مؤخرا عن معهد الاقتصاد والسلم أن العنف كلف الاقتصاد العالمي مبلغ 13.6 تريليون دولار عام 2015، كثير منه جاء من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
أشار مؤسس المعهد ستيف كيليلي في مقابلة أجرتها معه مجلة بلومبيرغ:” إذا استثنيت الشرق الأوسط من المعادلة، فإن العالم سوف يكون مكانا أكثر أمنا”.
إنها حقيقة مؤلمة ومقلقة، ويبدو أنه من غير المرجح أن تعالج قبل انتهاء موسم رمضان الحالي. كما أنها تشكل تذكيرا قاتما للمسلمين وغير المسلمين على حد سواء بأن المعاناة الإنسانية مستمرة، وأن التاريخ عادة ما يكون قاسيا مع أولئك الذين يغضون الطرف عنها.
ريل كلير وورلد: ترجمة مركز الشرق العربي