تكشف الحرب الأوكرانية أن وهم القوة مرض يصيب حتى الدول العظمى التي تملك أخطر سلاح فتاك، وهو السلاح النووي.
فتحسب تلك الدول نفسها أنها من القوة والمنعة ما يجعلها خارج معادلة الصراع، وقادرة على صنع النصر في أي مواجهة تدخلها، لكن عندما تغوص في الواقع تجد نفسها في أوحال هزيمة مذلة لا تستطيع الخروج منها.
بعد شهر ونصف من بدء الحرب الروسية على أوكرانيا، يقف بوتين في موقف لا يحسد عليه، فقواته مضطرة لفك الحصار عن “كييف” والتراجع عنها بعد صمود المقاومة الأوكرانية، التي خاضت حرب غابات ودمرت العديد من آلياته في لقطات مصورة أصبحت “ترند” وسائل الإعلام، كما فشلت خطوط الإمداد والدعم الروسي في الوصول للجنود على الجبهات في الشمال، وظهر سوء التخطيط والتقدير لقوة الجيش الروسي والجيش الخصم.
وفي آخر إحصائية أعلنت عنها هيئة الأركان الأوكرانية بلغت خسائر الجيش الروسي أكثر من 19 ألف جندي و 722 دبابة و 1911 آلية مدرعة عدا عن الطائرات الحربية والمسيرة.
ربما سوء التقدير هذا هو ما دفع بوتين للاستنجاد بالجنرال ألكسندر دفورنيكوف قائد العمليات العسكرية في سوريا، ليتولى قيادة القوات في ساحة المعركة بعد أن تحول الهدف من احتلال أوكرانيا إلى السيطرة على إقليم دونباس في الشرق، و الذي تحتل روسيا أجزاء منه فعلياً منذ سنوات.
الأمر لا يبدو نزهة كما حدث في عام 2014، عندما احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وأجرت فيها استفتاء هزليا ضمتها على إثره للأراضي الروسية دون مواجهة مع الأوكران أو المجتمع الدولي، الذي فضل الاكتفاء بالتنديد والشجب مما أوهم الروس بالقوة.
ردة فعل المجتمع الدولي تجاه ما يجري في سوريا عزز أيضاً من وهم القوة لدى روسيا، وأعطاها ضوءا أخضر في التمادي لأقصى ما تستطيع من تجريب الأسلحة على السوريين، فحين أحرقت طائرات “السوخوي” و”الميغ” الروسية أرض المناطق الثائرة بشعبها كان أقصى ما قام به المجتمع الدولي الشريك غير المعلن في الإجرام، هو التنديد والإدانة فحين لا يعاقب القاضي المجرمَ بما يوازي إجرامه فهو يشاركه في الجريمة.
وبعيداً عن أن غزو أوكرانيا هو خطة روسية أصيبت بالفشل أم أمر استدرجت إليه لإدخالها في حرب استنزاف طويلة الأمد، فقد ظهرت كم هي ضعيفة وعاجزة عن حسم الموقف لصالحها، وظهر أن تحقيق النصر لا يرتبط بعدد الرؤوس النووية التي تملكها.
إنه الإذلال التاريخي الذي تمنى به القوى الكبرى عندما تعميها نشوة القوة عن رؤية الواقع على الأرض، وأن هناك أناس يحملون بندقية وعقيدة قتالية يستطيعون تمريغ كرامة القوة الروسية بالوحل.
الأوكران يتركون اليوم علامة حمراء على قفا الجندي الروسي كما فعلها الأفغان والشيشان من قبل وسيفعلها أيضاً الثوار السوريون.
محمد مهنا – مقالة رأي
المركز الصحفي السوري
عين على الواقع