من الأنظمة الغارقة في المزايدات والاستعراضات بشأن القضية الفلسطينية نظام الملالي الحاكم في إيران، وكعادته يستعرض قوته ووجوده من خلال الإعلان عما يقدمه من دعم ليس للقضية الفلسطينية وإنما لحماس والجهاد؛ إذ لم نسمع يومًا أن الملالي قدموا دعمًا للشرعية الفلسطينية منظمة التحرير وحركة فتح ويعرف الملالي جيدًا من هي منظمة التحرير ومن هي فتح.
وكعادة صناع الأزمات سفهاء السلطة في إيران يغامرون بأهل غزة وأهل العراق ولبنان وسوريا وحتى بالشعب الإيراني ويعرضونهم للخطر مادام الأمر يخدم مصالحهم ويدعم مخططاتهم ووجودهم، فملالي إيران يدعمون حماس التي تسيطر على قطاع غزة ويزودنها بالأسلحة والأموال، ولتعاظم سفاهتهم وحماقتهم لا يعنيهم إن وضعت حماقتهم الأخيرة غير المدروسة غزة في مرمى نيران السفهاء المستهترين في سلطات الاحتلال الإسرائيلي الذين لا يعنيهم لو ماتت كل البشرية فالمهم لديهم بقاؤهم هم والعالم كله فداء لهم، ومن الواضح وضوح الشمس في رابعة النهار أن السلطة في إيران تستغل الوضع الصعب الذي يعيشه الشعب الفلسطيني في غزة لتحقيق مصالحها السياسية، وقد هدد نظام ولاية الفقيه الحاكم في إيران بفتح جبهات جديدة ضد إسرائيل إذا استمر العدوان على الفلسطينيين في غزة، وقد أثارت هذه التهديدات جدلًا واسعًا في المجتمع الدولي، وأدت إلى تصاعد التوتر في المنطقة، ومن المؤسف أن يستغل بعض السياسيين هذه المواقف وتلك لتحقيق مصالحهم السياسية غير آبهين بتعريض حياة المدنيين للخطر، وهنا يجب على المجتمع الدولي أن يكيل بمكيال واحد ويتحمل مسؤولياته في حماية الحقوق الأساسية للشعب الفلسطيني، والعمل على إيجاد حلول سلمية لخلق السلام الشامل والعادل في الشرق الأوسط من خلال إحقاق حقوق الفلسطينيين والقضاء على نظام الملالي والكف عن استنزاف العرب من خلال نظام الملالي في إيران.
أما عن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فليس ما تقوم به من إبادة وتهجير وقمع بحق الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة بجديد فقد كان آخر مثال على ذلك تعرُّض المدنيين الفلسطينيين للخطر هو الحرب الأخيرة بين سلطات الاحتلال الإسرائيلي وحماس في مايو 2021، والتي أسفرت عن مقتل أكثر من 250 فلسطينيًّا معظمهم من المدنيين منهم نساء وأطفال؛ حيث استخدم جيش الاحتلال اسلحة محرمة دوليًّا، وألحق دمارًا واسع النطاق في غزة.
وها قد وقع الأبرياء في غزة في آتون الحماقات من جديد وانحياز أميركا والغرب إلى جانب آلة القتل والإبادة في جيش الاحتلال الإسرائيلي الذي قتل مئات الأطفال والنساء وقتل أطفالًا في المستشفيات ومسح مناطق في غزة من الوجود وأباد عائلات فلسطينية وشرد أكثر من مليون فلسطيني في حالة من الجوع والعطش ونقص الغذاء والدواء.
وهنا على الفلسطينيين أن يعوا بأن ما يتعرضون له مخاطر وكوارث هو بسبب وقوعهم تحت سياسة ملالي إيران التي شقت الصف الوطني الفلسطيني وقد كان ذلك خدمة جليلة للاحتلال الإسرائيلي الذي لن يدخر وسعًا في قتل وإبادة الفلسطينيين وابتلاع حقوقهم ومصادرة أراضيهم يومًا بعد يوم، وهنا على الفلسطينيين أن يطالبوا بوقف العلاقة مع النظام الإيراني والاتحاد تحت خيمة الشرعية الفلسطينية واتخاذ خطوات لبناء مستقبل أفضل لهم.
القصة وما فيها هي أن الملالي في إيران وقواتهم وميليشياتهم في سوريا هم ونظام الأسد قد تعرَّضوا إلى صفعات مُهينة ومُذلة ومُتكررة سواء على الأراضي الإيرانية أو على الأراضي السورية من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي في فلسطين؛ ولم يتجرأ فأرٌ منهم بالرد بنفسه من على أراضيه لكنهم أي الملالي كعادتهم استخدموا أدواتهم في غزة ليردوا اعتبارهم ويربكوا المجتمع الدولي ويكسبون الوقت في صراعهم ومفاوضاتهم مع الغرب غير آبهين بتبعات ذلك وما قد يحدث من دمار وهلاك للأبرياء في غزة ولم يضعوا ذلك في الحسبان خاصة وأنهم يعلمون بأن سلطان الاحتلال لا يعنيها أهل غزة في شيء حتى وإن ماتوا جميعًا، وتشهد الأحداث السابقة والجارية على ذلك، وكذلك الحال بالنسبة لملالي الظلام في طهران لا يعنيهم أحد على الإطلاق سوى مصالحهم وبقائهم في السلطة، فانظروا ماذا فعلوا من مجازر بحق الشعب الإيراني وبحق المعارضين وبحق المتظاهرين الأبرياء العزل في عموم إيران، خاصة الأقليات الدينية والعرقية، ولو أن منظمة التحرير أو حركة فتح هم من قاموا بعملية “طوفان الأقصى” وهو الاسم الذي اختاره ما يسمى بـ الحرس الثوري لهذه العملية؛ لقلنا أن ذلك رد فعل مشروع على كل ما يتعرض له الشعب الفلسطيني؛ لكن الأمر مع حماس مُختلفٌ تمامًا فهي تقوم بذلك مع قرب الانتخابات الوطنية الفلسطينية بتمويل وتخطيط وتوجيه من حرس نظام الملالي غير مكترثين بالشعب الفلسطيني، وكما ذكرنا سابقًا؛ فإنهم غير مكترثين بتبعات عملهم والمهم لديهم هو ما ستحققه سلطة ولاية الفقيه من مكاسب عديدة جراء ذلك على كافة الأصعدة، وما ستحققه حماس من مكاسب أيضا، والعجب العُجاب هنا هو دفاع الإدارة الأمريكية عن نظام ولاية الفقيه وقولها بأنه بريء ومسالم وجميل وعظيم ولم يفعل شيئًا، ووفق هذا المنطق والعسكرة وتجييش الجيوش يبدو أن أهل غزة هم من قاموا بعملية “طوفان الأقصى” وليس حماس ولذلك يقومون بإبادتهم بدعم غربي.
السفاهة والرعونة مُرحبٌ بهما؛ يقابلهما كيل المجتمع الدولي بمكيالين
السفاهة والرعونة هي سلوكيات غير مقبولة في أي مجتمع، ويجب على الجميع أن يتحلى بالحكمة والتعقل في تعاملهم مع القضايا الحساسة، ومن المؤسف أن يتسبب بعض السياسيين والمغامرين والمستهترين الذين اعتادوا على سفك دماء الشعب الفلسطيني في تصعيد الصراعات وتعريض حياة المدنيين للخطر، وهذا ما يحدث في غزة حاليًّا.
صحيح أن السفاهة والرعونة غالبًا ما تقابل بالترحيب من المجتمع الدولي؛ فالدول التي تتبع سياسات غير مسؤولة أو خطيرة غالبًا ما يتم التساهل معها وحتى دعمها، ولعل مثال على ذلك هو دعم الولايات المتحدة للاحتلال الإسرائيلي على الرغم من انتهاكاته المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني، وتغض الولايات المتحدة الطرف عن هذه الانتهاكات وتزود المحتل الإسرائيلي بالأسلحة والأموال مما يعزز من موقفه العدواني على الفلسطينيين، والعجيب هنا أنهم يريدون سلامًا.
من الأمثلة الأخرى على دعم النظام العالمي لنظام الملالي في إيران هو البرنامج النووي، فعلى الرغم من تظاهرهم بالقلق والرفض فقد تم تزويد الملالي بعشرات المليارات من الدولارات؛ كذلك رفض الاتحاد الأوروبي درج ما يسمى بـ الحرس الثوري على القائمة السوداء، والتغاضي عن جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية التي ارتكبها هذا النظام ضد الشعب الإيراني وضد شعوب العراق واليمن وسوريا ولبنان؛ وهذه وغيرها من أكبر الدلائل على دعمهم للملالي، وانظروا الآن على سبيل الافتراض إلى ما قد يكون عليه موقف هذه النظام العالمي لو أن دولة عربية ما عملت على برنامج نووي عسكري، ولتتذكروا العراق ماذا فعلوا فيه على الرغم من أنه لم يكن يمتلك أي شيء على الإطلاق سوى أنهم أرادوا أن يصنعوا مبررات لصيانة ماء وجوههم المُراق بسبب الحصار الجائر الذي وضعه هذا النظام العالمي على الشعب العراقي الذي كان يزف قوافل الأطفال من المستشفيات إلى المقابر جماعيًّا وبشكل يومي، وقد كان المهربون أكثر شرفًا من هذا النظام على الرغم من إغرائهم.
والجدير بالذكر أن المجتمع الدولي (أي الغرب) يرحب بسفاهة ورعونة نظام ولاية الفقيه في إيران والمنطقة وبسفاهة ميليشياته بالوكالة ومنها حماس وحزب الله وفصائل الحشد في العراق، ذلك لأنهم جميعًا يوفرون للغرب من الأسباب ما يعجز الغرب عن توفيره وبدون أدنى تكاليف في حين يقوم الغرب بممارسة الضغوط على المقاومة الإيرانية ومنظمة مجاهدي خلق ويتغاضى عمَّا تعرض له السجناء السياسيين الإيرانيين من مجازر إبادة جماعية، وما تعرض له اللاجئون في أشرف1 وليبرتي وأشرف3، وما يتعرض له المتظاهرون الأبرياء في الشوارع والسجون وفي كل مكان في إيران؛ عندما تطلب أغلبية البرلمان الأوروبي من الاتحاد الأوربي وضع حرس الملالي على قائمة الإرهاب يرفضون ذلك، على الرغم من جرائم وفظائع الحرس ونشره للتطرف والإرهاب وضربه للأمن والاستقرار في الشرق الأوسط، واليوم يصبون جام غضبهم على الشعب الفلسطيني، ويتركون حرس الملالي، ويتناسون محنة الشعب الإيراني وكوارث شعوب ودول المنطقة الكوارث التي هي من صنعهم بدعمهم لنظام الملالي، والتغاضي عن جرائمه؛ هذا التغاضي الذي استمر لعقود ولازال وسيبقى مستمرًا.
تسود المنطقة حالة من السفاهة والعبث على يد الملالي والغرب، والمقصود بها إيجاد الأسباب التي من شأنها أن تؤدي إلى إبقاء هذه المنطقة خاضعة مسلوبة الإرادة لتستمر مصالحهم وتنميتهم على حساب شعوب المنطقة، ولولا إيران الملالي التي يبرئها الأمريكان من أفعال السوء لما قامت عملية “طوفان الأقصى”، ويبدو أن المثل العربي القائل بأن (القط يحب خانقه) ينطبق على تلك العلاقة القائمة بين الغرب والأمريكان من جهة، والملالي الذين يلعبون دور بلطجي المنطقة من جهة أخرى.
يكيل الغرب ونظامهم العالمي اليوم بمليار مكيال نهارًا جهارًا ويتركون الجُناة، ويطبِّقون العقوبات على الضحايا؛ في حين أنه لو صدق الغرب ونظامهم ذاك لأقروا بأنه لا حل ولا استقرار لمنطقة الشرق الأوسط إلا بدعم ثورة الشعب الإيراني ومشروع المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية الرامي للإطاحة بنظام الملالي الفاشي في إيران، وعندها سيأتي تباعًا حل جميع المشاكل العالقة بالمنطقة بكل سهولة ويُسر؛ والتحلي بشيءٍ من الشرفِ ليس بذلك الأمر الصعب على الرغم من أنهم لم يعتادوا عليه.
ستنتصر الشعوب المظلومة ولو بعد حين.
د. سامي خاطر / أكاديمي وأستاذ جامعي