دمشق مدينة المآذن، عاصمة الأمويين تمشي حافية على نيران حرب باردة فيها دون غيرها من المدن السورية، بات عذابها أكبر باحتلال فريد من نوعه، احتلال فارسي صفوي إيراني، كثرت التسميات والمحتل واحد، بوجوه تتشح السواد، وذقون تغطيها الكراهية، لأرض وعدوا أن يدخلوها يوما وفعلوا على يد نظام أسدي باع الأرض والعرض، والشعب بيعة واحدة و(مشايلة )!!
أتى رمضان الخامس من عمر الثورة، ورغم حداثه سنه إلا أن رمضان بات هرما في شوارع دمشق، بات لا يعرف أهله لأنهم تغيروا، فقد غزا المحتل روائح الحارات وغير رائحة صابون الغار لبخور يحرقه في حسينياته، رمضان أصبح يمشي كهلا متكئا على ذكريات باب الجابية ومناداة الباعة ويا (ما رماك الهوا يا نواعم) و(المعروك بسمسم)على أزقة البزورية والحريقة وجامع الدرويشية، لم تعد لمحة التسامح والمحبة ورائحة الطعام تعبق أجواء حارات الشام والشاغور الضيقة، ومسحر رمضان فارق زواريب (( مطرح ما ضيع القرد ابنو))، وسبيل الدقاقين ومدحت باشا، صارت الحواجز العسكرية مقيمة ليلا نهارا في أروقة دمشق العتيقة بلكنة من الفارسية الممزوجة بـ”لبيك يا نصر الله” التي تصدح عوضا عن المآذن وأمسيات الذكر، وراحت النخوة من قلوب المفطرين علنا في رمضان ، لم تعد السكبة هي صحن يدور كل بيوت الشام ليستقر على مائدة من عشرات الأصناف، ولم تعد السهرات الرمضانية والذكر والتراويح رمز رمضان، أصبح الخوف “متعربشا” في قلوب الناس وضاعت الرحمة من وجوه حملت السلاح لتوجهه نحوك كل ما فرحتَ أو غضبتَ أو احتفلتَ، وودع “العرق سوس” حلوق الخائفين و”التمر هندي” جيوبا مفلسة ينهكها فقر وحرب أكلت الوقار الشامي، وأخمدت همسات جدران الجامع الأموي ليصبح حسينية للطم وشتم الصحابة ولعن أمهات المؤمنين.
بات رمضان غريبا يأتي ويرحل على عجل، بلا “فول الميدان” و”موائد الرحمن”، وأصبحت الجيوب مغلولة إلى العنق، وامتلأت الحدائق بخيام المشردين واليتامى والثكالى، رمضان جاء خجِلا؛ لأننا رحلنا أو متنا أو هجرنا أو اعتقلنا جاء يحمل بين يديه رسالة عتب ومحبة لدمشق في آن، ليقول لها ( أرميتِ أبناءك لتستقبلي الغريب )؟!
رمضان الرحمة ضاعت ملامحه فلا الصيام صياما ولا القيام بات قياما، في رحاب التدمير والتشويه والتشبيح لبيوت الشام العريقة، بات أهل الشام يتكلمون الفارسية الآن، وأم محمد لم تعرف كيف تتحدث مع جارتها من خلف الباب لأنها لن تفهمها، لن تخبرها عن طبخة الغد ولا عن السحور ولاعن (جمعة النسوان) لتجهيز سفرة الفقراء، رمضان جاء ليودع الشام جاء ليقول سآتي في السنة المقبلة لأزور طهراان!
المركز الصحفي السوري – زهرة محمد