لم يكن هناك ما يشبه دموع أم حسام بالغزارة غير دعواتها المتواصلة بالفرج القريب لابنها البكر حسام، المغيب في سجون النظام منذ أكثر من ثلاثة أعوام، وعلى الرغم من التهجير والنزوح القسري من “خان الشيح” إلا أن من قبع تحت القضبان يبقى تحت رحمة من هجر الأهالي.
ما فتئ الإعلام وما لفّ لفّه يروّج لما يصفه المناداة بالحرية للمعتقلين قبل شهر رمضان، بعد اتخاذ خطوات عديدة لمعالجة قضية المعتقلين في سجون نظام الأسد، حيث سعت قوى المعارضة منذ وقت طويل للإفراج عنهم، إلا أن الواقع والتقارير الدولية تقول عكس ذلك وتكشف من حين لآخر حجم الانتهاكات الإنسانية التي تتخذ في حق المعتقلين.. تلك الورقة الممزقة.
جلست السيدة الخمسينية على ركبتيها فوق سجادة الصلاة رافعة كفين متعبتين من كدح سنين وقبل أن تتناول طعام الفطور دمدمت “اللهم بلغنا رمضان بما تحب وترضى وتكحل عيوني برؤية ابني المعتقل حراَ طليقاً يزيل بحضوره عتمة سنين مضت.. الله يفرجها على جميع المعتقلين”.
شهر رمضان لا يختلف عن بقية الأشهر في سجون النظام فالسجان لا يكترث لخاصية ذاك الشهر ويواصلون عملهم بالتنكيل والتعذيب وإن قدمت الوجبات أصلاً فهي تقدم من قبل سلطات السجن في الوقت المعتاد.
يشتكي معظم أهالي المعتقلين من عدم معرفة أماكن اعتقال أبنائهم فالتعتيم والإخفاء القسري صفة تلاصق السجون السورية وتترك لزبانية السجن صلاحية تحقيق يبتعد كل البعد عن الحقوق الإنسانية، ويحرم السجين من أبسط حقوقه المكفولة بموجب القوانين الدولية.
ألقى النظام القبض على الشاب “مصطفى” من مدينة إدلب (29 عاماَ) قبل تحرير المدينة من شبيحة نظام الأسد، أثناء تواجده في دائرة حكومية يعمل لديها منذ سنوات قليلة بتهمة الانتماء للخلايا النائمة كما يدعون، ليزج إلى جانب غيره من السياسيين الذين تم اعتقالهم لأسباب مماثلة
بعد أن أمضى عامين على اعتقاله استطاعت عائلته أن تغري سلطات تابعة للنظام بما يقارب 20 ألف دولار ليتم الإفراج عنه بعد رحلة عذاب أخبرنا عنها قائلاً “الطعام.. الطعام كان مقيتاً” وتابع حديثه بضحكة السخرية “لقد كان من المستحيل تناول ذاك الطعام الذي لا تتناوله حتى الكلاب لقوة رائحته العفنة.. لكن من أجل البقاء أرغمنا على تناوله”.
مضيفا لنا “لن أنسى زيارة والدي في أول أيام رمضان بعد أن حالفه الحظ بمعرفة مكان سجني “عدرا” وبعد أن وقف لساعات طوال تحت أشعة الشمس لننعم في النهاية بدقائق قليلة محاولة منه ليشعرني بأجواء ذاك الشهر والتي كانت أولاها رضى الوالدين.. من خلف القضبان الحديدية ومن مسافة بعيدة يصعب فيها وصول الصوت بين المعتقل وأسرته، سمعت صرخات أبي ودعواته لي بالفرج القريب”.
كل تلك الانتهاكات والمعاملة التي لا تمت للإنسانية بصلة، ألفها ألاف أسر المعتقلين بعد مرورهم بتجارب قاسية عشرات المرات، لكنها تغضب في شهر رمضان الذي لا تقدم فيه إدارة السجون أي استثناء لأسر المعتقلين وللمعتقلين أنفسهم.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد