عرف عن السياسة الإيرانية بشكل عام عند تعقيبها على أحداث المنطقة الجارية أنها” كتومة”، كما جرى في السنوات الأولى من بدأ الصراع داخل الأراضي السورية تحديدا، ومشاركتها الفعالة ضد ما أسمته” جماعات إرهابية” تحاول إثارة العنف ضد نظام الرئيسي السوري” بشار الأسد”.
دخلت ” قوات الحرس الثوري” الإيراني إلى المعركة بقوة، وشاركت ونفذت العديد من العمليات داخل مدن متفرقة في سوريا ضد القوات المعارضة للنظام السوري، حتى قتل العديد من كبار ضباطها، تحفظ في بدايات الأمر صناع القرار الإعلان عن أسمائهم وأعدادهم.
ما أثارته السياسة الإيرانية مؤخرا وإعلانها الصريح عن عدد جنودها وضباطها في المعارك الجارية فوق الأراضي السورية، فتح جملة من التساؤلات حول المعزى من ذلك، ودلالته بالتزامن مع بدء الدخول الروسي على خط المواجهة في الأشهر القليلة الماضية.
في أواخر شهر حزيران الماضي، لفت إيران، وصرحت إلى العلن أن عدد قتلى الحرس الثوري بلغ 400 عنصر منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011، وكان بينهم العديد من القادة الكبار المقربين من المرشد الأعلى خامنئي، لكن البعض من المتابعين للأحداث الدائرة هناك يرون أن العدد يفوق ذلك.
ووفقا لـ” الجزيرة نت”، فإنه تم إحصاء أسماء 300 قتيل من قوات الحرس الثوري، بينهم مقاتلون أفغان وباكستانيين، أرسلتهم طهران للقتال في سوريا؛ من بينهم 26 من أصحاب الرتب الرفيعة.
وبالتالي، فإنه قبل مقتل العميد حسين همداني، القائد والمستشار في الحرس الثوري الإيراني كانت نعوش قتلى الإيرانيين في المعارك السورية تحاط بكثير من الكتمان والسرية، مع عدم وجود إحصاءات رسمية بعدد الجرحى والقتلى.
بيد أنه في الوقت الحالي بات من السهل الدخول إلى لمواقع الإيرانية الرسمية وغيرها وقراءة تفاصيل حول عدد القتلى المشاركين في العمليات بسوريا، وتداعياتها على السياسة الإيرانية، ومحاور الصراع الجارية.
وتتعاطى وسائل الإعلام الإيرانية مع القتلى الإيرانيون في سوريا بوصفهم” المتطوعين”، وقتلى عناصر الحرس الثوري بـ”المتقاعدين” و”العسكريين القدامى” و”المستشارين”، في محاولة لدحض الاتهامات الموجهة إليها بمشاركتها بقوات برية للقتال في سوريا.
يشير “معهد واشنطن” إلى أن أول نبأ عن سقوط مواطن إيراني في القتال في سوريا كان عن “علي أصغري تقناكي” البالغ الثلاثين من العمر وهو ناشط في “قوة القدس” قُتل في دمشق في يناير عام 2013
ويبين” معهد واشنطن” في تقرير مفصل حول:” أعداد الضحايا الشيعة تُظهر عمق تورّط إيران في المعارك في سوريا”، ندرة المعلومات المتاحة عن العمليات المحددة التي انخرط فيها هؤلاء المقاتلون، حيث ذكر مكان مقتل معظمهم على أنّه “سوريا” أو “الضريح في دمشق”.
دوافع إيران الإعلان عن قتلاها بسوريا:
1- إثبات الوجود فوق الأراضي السورية:
على مدار سنوات الصراع الأربع الأخيرة في سوريا، تكشفت فصول الدعم المادي والمعنوي الإيراني للنظام السوري، حتى بات اعتماد” الأسد” في مواجهة معارضيه على دعم حلفاء المنطقة له، بما فيهم إيران، التي أخذت ترسل بين الفينة والأخرى “ضباط عسكريين”، ومقاتلين إلى الأراضي السورية.
حتى أن هذا الدعم بلورته صحيفة” لوفيغاروا” الفرنسية مؤخرا، نقلا عن صحيفة “اليوم” من خلال اعتماد إيران سياسة تزويد النظام السوري كل 15 يوم بـما يقارب 700000 لتر من الوقود محملة إلى ميناء طرطوس، لدعم عمليات الجيش النظامي.
إلى جانب تخصيصها مليار دولار كخط ائتماني لدعم خزينة النظام، حيث مهد ذلك الطريق إلى بسط إيران سيطرتها ونفوذها داخل معظم المدن السورية التي تشهد ساحات صراع مفتوحة بين الجماعات المسلحة، فلم يعد بإمكانها إخفاء خسائرها البشرية.
ويشار إلى أن شهر أكتوبر الماضي شهد خسارة كبيرة في صفوف كبار الضباط الإيرانيين، والمقاتلين، لاسيما العميد حسين همداني، القائد والمستشار في الحرس الثوري الإيراني، الذي قتله الثوار في ضواحي مدينة حلب شمالي سوريا، باعتباره حتى اللحظة الرتبة العليا بين قتلى إيران في سوريا.
إضافة إلى أن إيران لا ترسل جنوداً إلى سوريا بل فقط “مستشارين” هم أعضاء في الحرس الثوري، وتحت قيادتهم، يقاتل عناصر “حزب الله” الشيعي اللبناني، ومتطوعون إيرانيين وعراقيين وأفغان.
لكن، ووفقا لموقع” الجزيرة نت” فإن طهران لم تدل أبداً بإحصاءات عن عدد الإيرانيين الموجودين في سوريا، لكن مسئولاً أمريكيا أكد أكتوبر الماضي أن ما يناهز ألفي إيراني أو مقاتل تدعمهم طهران يشاركون قرب حلب في هجوم على فصائل المعارضة.
2- إعادة رسم الأدوار والتنافس بين إيران وروسيا:
حيث أصبحت إيران وتحديدًا منذ التدخل الروسي تجاهر وتعلن أن لها قوات منتشرة على الأرض في سوريا، مدللة على ذلك بصور قائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني داخل سوريا، بالإضافة إلى إعلانها بين يوم وآخر عن سقوط قتلى لها في سوريا، بينهم قادة وضباط بارزون.
وبالتزامن مع التدخل الروسي الجوي فوق الأراضي الروسية بدأ الحديث عن نية إيران نشر قواتها البرية، في إشارة كما يرى متابعون إلى بداية الصراع الروسي الإيراني على مناطق السيطرة السورية، وحصد مزيد من المكاسب لكل طرف.
دخول روسيا بقوة الأجواء السورية وقصفها للعديد من المناطق بحجة التصدي” للجماعات الإرهابية”، جعل نوعا من التنافس من وجهة نظر إيرانية، والتي دأبت مؤخرا على إعلان قتلاها، كنوع من إثبات الوجود الميداني.
للتفصيل أكثر في هذه النقطة، يعتبر أسامة أبو زيد، المستشار القانوني للجيش السوري الحر لصحيفة ” الخليج أون لاين”، أن إعلان إيران عن قتلاها بشكل مفاجئ “سياسة ممنهجة لتعويض حالة النقص السياسي الذي خلقه لديها العدوان الروسي، فهي تسعى من خلال ذلك لتأكيد حضورها في الميدان السوري، فإيران تدفع بالضباط لديها لحضور المزاد العلني الذي عرض به بشار الأسد سوريا للبيع”.
ويرى المستشار أبو زيد، أن إيران لم تعد تثق بقوات النظام وتحاول عدم الاشتراك معهم بعمليات عسكرية مشتركة لأن قواته متهالكة وغير مدربة، ما يحولها لعبء ثقيل على القوات الإيرانية أثناء المعارك.
طرف آخر يذهب بالقول إلى أن الروس في سوريا اليوم، يعيدون هيكلة المليشيات التابعة لنظام الأسد، ليتم توزيعها على جيش النظام، فالروس لن يقبلوا الفلتان العسكري للحلفاء بعد اليوم، فكل المليشيات الإيرانية والأفغانية والعراقية وحزب الله، يجب أن يدخلوا ضمن هذه الهيكلية العسكرية الخاضعة لمرجعية الروس بشكل أساسي وبالتالي، فإن إيران وقواتها وضباطها حاضرون بقوة في المعارك الجارية بمختلف المدن السورية، والتي يتم إثباتها بين لحظة وأخرى بمزيد من التضحيات الإيرانية عند مقارعة الجهات المسلحة والمعارضة للنظام.
3- فتح جبهات جديدة
الناظر إلى التواجد الإيراني في سوريا، ومع تكاثفه مؤخرا، تعزز في مدن كثيرة لا سيما حلب التي حسمت أمر” الهمداني” أكتوبر الماضي، وعزز ذلك جلب المزيد من القوات الإيرانية “للتغلغل” في الأراضي السورية.
في الزاوية هذه، يرى الباحث في الشأن السوري “أحمد أبا زيد” أن إعلان إيران أسماء وعدد قتلاها جاء بدافع قوي لفتح جبهات عديدة في مختلف المدن السورية بعد التدخل السوري، حيث أضحت الساحة السورية مسرحا للقتال ضد القوات المناوئة لنظام الأسد.
وتزامن ذلك أيضا مع وجود مكثف للحرس الثوري الإيراني على جبهات القتال، والتنسيق العالي بين القوات الروسية، لتوسيع العمليات وإداراتها، وتوزيع الأدوار فيما بينهما.
أبرز القتلى الإيرانيين في سوريا
1- حسن شاطري: في فبراير 2013 أعلن الحرس الثوري الإيراني مقتله على أيدي مسلحين هاجموا سيارته على الطريق السريع الرابط بين دمشق وبيروت خلال عودته من “مهمة” في سوريا.
2- حسين بادبا: في أبريل 2014تم قتله في بُصر الحرير بدرعا جنوب سوريا، وهو أحد القيادات البارزة في الفرقة 41 “ثار الله” التابعة لفيلق القدس.
3- أصفر شردل : مايو 2014لقي مصرعه مع مرافقيه الشقيقين ساجد وأخلاق حسين والذين ينتمون إلى لواء “الزينبيين” الأفغاني الشيعي، وذلك في اشتباكات مع الثوار في حلب.
4- محمد الله داردي: مطلع العام الجاري أكد الحرس الثوري الإيراني مقتله في الغارة الجوية التي نفذتها إسرائيل يوم 18 من الشهر نفسه على مزرعة الأمل بمحافظة القنيطرة بسوريا.
5 – على رضا توسلي:كان ذلك في مارس الماضي ومساعده رضا بخشي وخمسة مقاتلين في اشتباكات مع مسلحي المعارضة السورية عند تل قرين قرب مدينة درعا.
6- أحمد حياري : في أغسطس الماضي خلال معارك بالقرب من مدينة اللاذقية السورية.
7- نادر حبيب: أكتوبر الماضي أعلنت طهران وفاة المسئول في قوات التعبئة الشعبية “الباسيج” الإيرانية نادر حميد، بعد إصابته قبل أيام في اشتباكات مع المعارضة السورية بمدينة القنيطرة.
ساسة بوست