فرض الرئيس الأميركي دونالد ترامب مساء الخميس رسومًا جمركية جديدة على عشرات الدول تصدرت سوريا قائمتها بنسبة 41% وهي الأعلى ضمن القرار التنفيذي الذي يدخل حيّز التنفيذ في 7 آب/أغسطس الجاري وجاء القرار في إطار ما وصفه البيت الأبيض بـإعادة هيكلة التجارة العالمية بما يخدم مصالح العمّال الأميركيين ، مستهدفًا الدول التي لم تُبرم اتفاقات تجارية ثنائية مع واشنطن
وبينما شكّلت هذه الرسوم مصدر قلق لكثير من الدول المتقدمة والمصدّرة إلى السوق الأميركية، ككندا وسويسرا والمملكة المتحدة، بدا أن أثر القرار على سوريا، رغم حدّته الرمزية، سيكون محدودًا من الناحية الاقتصادية المباشرة
تجارة شبه معدومة
تشير بيانات التجارة الخارجية إلى أن حجم التبادل التجاري بين سوريا والولايات المتحدة لا يكاد يُذكر ففي عام 2024 بلغت قيمة الصادرات السورية إلى الولايات المتحدة نحو 11 مليون دولار فقط، معظمها مواد أولية أو سلع غذائية بسيطة فيما لم تتجاوز قيمة الواردات من الولايات المتحدة مليونين إلى ثلاثة ملايين دولار، وهي أرقام متواضعة للغاية قياساً بحجم التجارة العالمية أو حتى مقارنة بشركاء سوريا التجاريين في المنطقة
ولا تعود ضآلة هذا التبادل إلى القرار الجديد فحسب بل إلى سياق طويل من العقوبات الأميركية المفروضة على النظام السابق منذ سنوات والتي لا تزال تؤثر بشكل غير مباشر على الإقتصاد السوري، رغم التغيرات السياسية التي أعقبت سقوط نظام بشار الأسد
قرار سياسي بتأثير رمزي
يُجمع خبراء اقتصاد على أن إدراج سوريا في قائمة الرسوم القصوى بنسبة 41% يحمل في طياته طابعًا سياسيًا أكثر من كونه إجراءً اقتصاديًا فعّالًا ، فغياب علاقات تجارية حقيقية بين دمشق وواشنطن يجعل من هذه الرسوم إجراءً بلا أثر مباشر، لكنه يُضاف إلى سلسلة من السياسات الأميركية التي تُبقي سوريا في خانة الدول غير المرحب بها اقتصاديًا
وحسب خبراء أن هذه النسبة 41٪ وضعت على الدول التي لم تتوصل إلى أي اتفاقية تجارية ثنائية مع الولايات المتحدة وهنا يبدو أن أمريكا لم تجري أي تواصل مع سوريا بخصوص الرسوم الجمركية
كما يطرح القرار تساؤلات حول مدى انفتاح الإدارة الأميركية الحالية على التحولات السياسية التي شهدتها سوريا، خاصة في ظل وجود حكومة شرعية جديدة بقيادة الرئيس أحمد الشرع، تسعى جاهدة لإعادة دمج سوريا في النظام الاقتصادي الإقليمي والدولي، بعد سنوات من العزلة والعقوبات
مستقبل العلاقات التجارية
رغم أن الرسوم الجديدة قد لا تُلحق ضرراً آنيًا بالاقتصاد السوري، إلا أن استمرار غياب قنوات تجارية واضحة بين سوريا والولايات المتحدة قد يشكّل عائقًا أمام فرص الانفتاح الاقتصادي مستقبلًا إذ إن بناء اقتصاد متعافٍ يتطلب تنوعًا في الشراكات التجارية، بما يشمل القوى الكبرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة
ومن غير المتوقع في المدى القريب أن تنشأ مفاوضات تجارية ثنائية بين البلدين، في ظل غياب الاعتراف الرسمي الكامل بالإدارة الجديدة من قبل واشنطن وتباطؤ واضح في مسار رفع العقوبات السابقة أو مراجعتها
في المحصلة فإن الرسوم الأميركية الجديدة على سوريا بنسبة 41% لا تمثل تهديدًا مباشرًا للاقتصاد السوري، بقدر ما تعكس استمرار المقاربة السياسية المتشددة لواشنطن تجاه دمشق وبينما تسعى الحكومة السورية لإعادة بناء اقتصاد البلاد، يظل الانفتاح على أسواق جديدة، وخاصة الإقليمية منها، أكثر جدوى وتأثيرًا في هذه المرحلة، مع ضرورة مواصلة الضغط الدبلوماسي باتجاه تفكيك منظومة العقوبات الغربية بشكل متدرج