أكّدت مصادر دبلوماسية في القاهرة أن مصر عازمة على استعادة علاقتها القوية مع السعودية انطلاقا من الرغبة المشتركة في التعامل مع بعض القضايا برؤية متقاربة تحفظ للدولتين مصالحهما الاستراتيجية وتجعل منهما محورا مهمّا في التطورات المنتظرة في المنطقة.
وأشارت المصادر لـ”العرب” إلى أن رغبة مصر في الاحتفاظ بعلاقة قوية مع السعودية لا تعني اصطفافها آليا وراء التحالف السعودي الأميركي لتطويق إيران، وأنها ما تزال تتابع بحذر أفكار واشنطن بشأن بناء هذا التحالف تحسبا لأي ارتباك قد يحدث في استراتيجية واشنطن.
وكان أحمد أبوزيد المتحدث باسم الخارجية المصرية أكد الجمعة على “استراتيجية” العلاقات بين القاهرة والرياض، نافيا أن يكون قد اعتراها أيّ اهتزاز، ومتهما إيران بأن تدخلاتها تؤثر بشكل سلبي على دول المنطقة.
واعتبر متابعون للشأن المصري أن هذا التصريح “انخراط ذكي” في النقاش حول بناء تحالف عربي أميركي ضد إيران، لكن دون أن يفصح المسؤول المصري عن موقف بلاده، وقد ترك الباب مفتوحا للتفاعل المستقبلي مع هذا التحالف.
وأشار المتابعون إلى أن تصريحات أبوزيد المتزامنة مع استقبال ترامب لوليّ وليّ العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في واشنطن والجدل حول تطويق إيران هي بمثابة رسائل مصرية حذرة توحي بالاستعداد للتعاطي مع فكرة التحالف الجديد، لكنها تحتاج إلى وقت.
ولفتوا إلى أن مصر التي اتخذت مسافة من السياسة الأميركية في فترة الرئيس السابق باراك أوباما بعد أن استخدم المساعدات ورقة ضغط ضد القاهرة في ملف الإخوان، ما تزال تنتظر إجراءات لبناء الثقة صادرة عن إدارة دونالد ترامب، وتلك خطوة مهمة لدعم العلاقات الثنائية قبل التفكير في الانضواء تحت تحالف أوسع.
ورشحت معلومات من مصادر مصرية تفيد بأن التقارب الثنائي مع السعودية يسير بوتيرة جيدة وبرزت أولى علاماته الإيجابية عندما قررت الرياض استئناف شركة أرامكو ضخ كميات من النفط متفق عليها منذ فترة، وتوقفت قبل خمسة أشهر، عقب تصاعد حدة الخلاف بين البلدين حول الموقف من الأزمة السورية.
وتزامن عودة ضخ النفط السعودي لمصر مع زيارة الأمير محمد بن سلمان لواشنطن جعل بعض الدوائر السياسية في القاهرة تميل إلى أن هندسة العلاقات بين البلدين لن تكون بعيدة عن التصورات الأميركية للمنطقة، الأمر الذي يشي بأن التحسن من الضروري أن يأتي عبر نافذة واشنطن وعلى قاعدة الموقف من إيران التي من المرجح أن تتعرض لمزيد من التطويق.
ويفصل خبراء ومحللون مصريون بين مسار التحالف ضد إيران ومسار العلاقات المصرية السعودية، معتبرين أن الأول يحتاج إلى وقت لاختبار جديته وأهدافه، فيما الثاني هو ضرورة استراتيجية لمصر والمنطقة، خاصة أن القاهرة التي تقر بالدعم الخليجي الكبير الذي حصلت عليه منذ ثورة يوليو 2013 كانت اقترحت بناء قوة عربية مشتركة لحماية الأمن الإقليمي.
وقال محمد مجاهد الزيات وكيل سابق في جهاز المخابرات المصري لـ”العرب” إن العلاقات بين الرياض والقاهرة متشابكة ومتداخلة ويمكن تحسينها من خلال التوافق في ملفات عديدة لأن موضوع شحنات النفط من شركة لا يعد مؤشرا كافيا على مباركة القاهرة لأيّ تحالف يستهدف طهران.
وذهب البعض من المراقبين إلى أن التوافق حول أزمة مثل سوريا ربما يكون ركيزة بين مصر والسعودية والولايات المتحدة، لكنه قد يضع الموقف المصري في تناقض مع روسيا التي كلما تتقدم خطوة نحو القاهرة لحقت بها خطوة أخرى تقرّب الأخيرة من واشنطن.
وأوضح الزيات أنه بالفعل هناك محاولات لضم القاهرة ضمن منظومة إقليمية تكون في الواجهة منها الرياض وواشنطن لتطويق إيران معتبرا أنه ليس بالضرورة أن تنجح هذه المحاولات لأن ثمة ملفات أخرى تشترك فيها القاهرة مع موسكو وأوروبا وتجعل مصر بطيئة نسبيا نحو التوجه الأميركي.
ويعتقد بعض المتابعين أن الأوراق التي تملكها مصر الآن تمنحها أفضلية، لكن تجعلها تسير بحذر شديد خشية أن تقع في شرك بعض القضايا الحرجة لأنها في لحظة معينة سوف تكون مضطرة إلى تحديد خياراتها بوضوح.
وفي نظر بعض الجهات أصبحت القاهرة مطالبة باتخاذ مواقف محددة نحو عمق تحالفها مع موسكو وتجاه إيران لأن التصريحات الرسمية الغامضة والمطاطة أحيانا لن تكون مريحة لكل من واشنطن والرياض، خاصة إذا تم تدشين تحالف عربي برعاية أميركية يكون جزء من أهدافه لجم إيران ووقف زحف روسيا على المنطقة.
وأشار الزيات لـ”العرب” إلى أنه لا تزال هناك تباينات في الرؤى بين الأطراف الثلاثة (مصر والسعودية والولايات المتحدة)، في ملفات مثل سوريا واليمن وليبيا، ومنها على سبيل المثال مدى استعداد كل من القاهرة والرياض في تغيير مفهوم استراتيجية المواجهة بحيث يتم وضعها في إطارها السياسي وليس الطائفي.
وألمح إلى أن العلاقات المصرية الإيرانية عرضة في أيّ وقت للتشويش والانفلات بسبب طبيعة النظامين في القاهرة وطهران، ووجود اختلاف في التعامل مع كثير من القضايا الإقليمية.
القدس العربي