ليست الحرب التي تدور في سورية هي التي جعلته يعمل ماسح أحذية، بل هي ظروف الحياة الصعبة قبل الحرب التي لم تسمح له أن يكون كأقرانه الأطفال في المدرسة. وجد نفسه عالقاً في هذا العمل منذ طفولته في شوارع حماة لينقل عدته بعدها إلى صيدا، جنوب لبنان.
هو مخلص لعمله هذا. يحمل علبة الدهان والفراشي على كتفه، ويتجول في سوق المدينة وبين أزقتها الضيقة، يعرض خدماته على المارة، وفي معظم الأحيان يواجَه بالرفض. ينسى أحياناً تناول الغداء، عندما يجد زبوناً. لكنّه قد لا يوفق بواحد طوال نهار عمل طويل. وما في اليد حيلة: “عليّ أن أسعى في طلب الرزق”.
خمسة آلاف ليرة لبنانية (3.33 دولارات أميركية) أو عشرة آلاف، قد تكون حصيلة نهار عمل طويل، وقد لا يحصل عليها، بالرغم من جولاته الطويلة، التي تأخذه أحياناً إلى الكورنيش البحري ومقاهيه المزدحمة. لكنّ المهنة، كما يقول، ذات مدخول ضئيل جداً هنا، ولا تكفي لإطعام عائلة، كما يعمل فيها كثيرون ممن لا يجدون أعمالاً أخرى.
رامي النوري، سوري الجنسية، من مدينة حماة، يبلغ من العمر واحداً وعشرين عاماً. لديه أربعة أشقاء وشقيقة واحدة. جميعهم لم يتلقوا أيّ تعليم. لكنّهم في سورية كانوا يعيشون في أمان على الأقل ومن دون خوف. اليوم، يخيفهم الجوع ولا يتمكنون من توفير ثمن إيجار المنزل، ويخافون الطرد منه.
تعلّم مسح الأحذية وبدأ يجول في شوارع مدينته السورية منذ طفولته. المهنة التي يعتبرها العديد من الناس وضيعة يحبها ويفضلها على سائر المهن. يحمل عدته معه ويتنقل من مكان إلى آخر. لا تثنيه العواصف والأمطار شتاءً، ولا الحر الشديد صيفاً. حمل مهنته معه من سورية إلى لبنان، ليجني رزقه ويعتاش هو وعائلته.
يقول رامي: “أحب هذه المهنة. تعلمتها من ابن عمي الذي يمتهنها هو بدوره، وكنت دائماً معه في تجواله في شوارع حماة. لكنّها في سورية أفضل مما هي عليه في لبنان، فهناك زبائن أكثر بكثير”. يضيف: “لم أدخل إلى المدرسة، بسبب سوء ظروفنا المادية. ومنذ ولادتي لم تتحسن الظروف”.
يشير إلى أنّ والده قتل في الحرب، وتعرض منزل العائلة إلى التدمير بالقصف العشوائي. وبعدما جاؤوا جميعاً إلى لبنان لم يجدوا أعمالاً لهم، في ما عداه هو وشقيقه ميكانيكي السيارات. ومع أنّ قيمة إيجار المنزل الذي يؤويهم 250 ألف ليرة (167 دولاراً) فقط، فإنّهم بالكاد يتمكنون من تسديده. تعيش العائلة على مساعدات الأمم المتحدة، لكنّ “هذه المساعدات تقلصت حتى” كما يقول.
العربي الجديد