لم تنته معاناة الأهل في حماه منذ زمن الأب حافظ إلى زمن الابن بشار الذي سار على نهج أبيه وعلى خطاه التي رسمها له بدماء الأبرياء في تلك المحافظة السورية التي كانت بالأصل لا تعني لعائلة الأسد شيئاً، سوى منفسا وتفريغا للغضب والقتل والإجرام.
مع تزايد الحرب اشتعالاً على الأراضي السورية، ورغم مضي الأعوام إلا أن ما شهدناه في مدينة تتوسط الأراضي السورية والتي يعتبر سكانها ذاقوا الممارسات الوحشية الأكثر مرارة وقسوة قياساً من الحملات الأمنية بالنسبة لغيرها من المناطق، قد استخدمت من قبل نظام لا يرحم الكبير ولا حتى الصغير مستخدماً قوات مدربة وخاصة ووحدات أمنية سرية للقضاء على المعارضة فيها.
أحداث حماه ومجازرها تعد الأكثر ألما في تاريخ سورية، ومن نجا من مذابح الثمانينات، لم ينجُ من قصف طيران النظام وهدمه لمنازل الأبرياء أبو محمد شاعر حماه المعرف “رافع الفطراوي” كان من بين المدنيين الذين خسروا منازلهم بنيران القصف وبأحد البراميل المتفجرة العمياء أصبح ركاماً ولدى وقوفه للمرة الأولى أمام منزل كان يسكنه فيما مضى وبلسان المتحير يقول “يا عيوني يا دارنا.. يا قلبي سلامتك يا دار، وكل مين كان ساكن هاي الدار” هز رأسه أبو محمد شاكياً عظم الدمار وفظاعته وأخذ يدمدم بصوت حزين “الله لا يوفقهم.. الله لا يوفقهم ”
بخطا بطيئة تجوّل الشاعر بجوار المنزل المنهار لتقع عيناه على جيران الحي وبابتسامة المعاتب والمتسائل يسألهم من بعيد مشيرا بيده لركام المنزل قائلاً “أين داري؟ أين بيتي الطيني؟”.
لم ينس الشاعر رغم كبر سنه وفظاعة المشهد من أن يسأل الجيران ممن كانوا له بمثابة الأخوة عن حالهم وما مدى تضررهم من تلك الضربة العمياء.
وبابتسامة باهته رافقت شاعر حماه وبعيون حائرة تحدق في المكان شاهد مسجد الحي المتضرر من القصف الهمجي والذي اعتاد زيارته لتأدية الصلاة وبلسان المستغرب يقول “يا رب حتى بيوت الله لم تنجُ من القصف”.
سقطت دموع الألم والحزن من عينيه وبيده التي اعتادت على العزف الحزين مسح تلك الدموع غير أن تلك اليد عجزت عن مسح حزن القلب المتأصل.
يتابع الشاعر حديثه وهو يحمد الله على سلامته وسلامة أبنائه متأملاً من الله إعادة البناء بهمة الأبناء بعد أن يسقط نظام بشار ذلك المخلوق الي سقطت عنه صفة الإنسانية.
جلس الشاعر المسن على إحدى حجارة منزله وبيده ربابته البسيطة التي إن دلت عن شيء فإنها تدل على فقر الحال وبساطة العيش وبيده الأخرى عزف ألحان الحزن وأشجان الألم متحسراً على داره التي أمضى فيها أيام الفرح وليالي الأحبة، بعد أن كانت عامرة بالأمس باتت اليوم مشرعة للريح.
بكلماته التي طبعت في قلوبنا قبل أن تطبع في الذاكرة أنشد أبو محمد “يا دار العز.. كان لي بيت غالي.. تركنا وترك جمر القلب.. غالي”.
https://www.youtube.com/watch?v=TSDmvCl5ME8
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد