رأى مفكرون إسلاميون أن المفهوم الجديد للعلمانية الذي أتى به حزب العدالة والتنمية ومؤسسه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لا يتعارض مع أصول الدين، بل يحميه من أن يكون أداة سياسية لخدمة السلطة كما كان في مراحل من التاريخ الإسلامي.
واعتبروا أن هذا المفهوم نجح في تحرير الدين من الدولة بخلاف ما فعلته العلمانية الغربية، بما يكفل حرية الاعتقاد والتعايش على أسس سليمة.
“حزب العدالة والتنمية جاء بمفهوم جديد للعلمانية يختلف عن الشكل المعروف في تركيا” سابقا، كانت هذه العبارة التي نطق بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أبرز النقاط التي أثارها خلال حوار أجرته معه قناة الجزيرة الإخبارية في القصر الرئاسي بمدينة إسطنبول التركية مساء الخميس قبل الماضي، ضمن الجزء الأول من أولى حلقات البرنامج الجديد “المقابلة”.
ولفت أردوغان إلى أن المفهوم الجديد للعلمانية يعني “معيشة كل المجموعات الدينية والفكرية بالطريقة التي يريدونها، والتعبير عن أفكارهم كما يؤمنون بها، وقيام الدولة بتأمين كل المعتقدات”.
الباحث العراقي في العلاقات الدولية بمؤسسة نصر للدراسات، عمر عبد الستار محمود، وجد أن المفهوم الجديد الذي طرحه أردوغان “طبع مسيرته كشخص ومسيرة العدالة والتنمية كحزب منذ تأسيسه”.
وأوضح البرلماني السابق أن نموذج العدالة والتنمية نجح في حين فشلت نماذج أخرى، والسبب أنه كان مختلفا عن غيره من النماذج التي ارتبطت بفرض مشاريعها باستخدام العنف والقوة، “مثل نموذج تنظيم القاعدة ونظام الولي الفقيه”.
وحول رؤيته لما جاء على لسان الرئيس التركي في لقاء “الجزيرة” وحديثه عن “مفهوم جديد للعلمانية”، قال الباحث العراقي “على العكس من العلمانية الغربية التي جاءت ردا على هيمنة الكنيسة على السلطة ونجحت في تحرير الدولة من الدين وسطوته؛ فإن العدالة والتنمية، ووفقا لنظرة الرئيس أردوغان ومفهومه للعلمانية، استطاع أن يحرر الدين من الدولة، وهو خلاف ما فعلته العلمانية الغربية”.
وأكد على أنه من خلال قراءته لتجربة العدالة والتنمية وجد أن الحزب نجح “في حل مشكلة متأصلة في تاريخنا العربي والإسلامي حيث ظل الدين أداة سياسية لخدمة السلطة، في حين استطاع حزب العدالة والتنمية تحرير الدين من الدولة”.
وفسر رؤيته لما طرحه أردوغان بأن “الدين هو شأن الفرد أما العلمانية فهي شأن الدولة”، بمعنى أن من حق الفرد في الدولة أن يقول “أنا مسلم أو أنا بوذي أو أنا يهودي لكن ليس من حقه أن يقول أنا علماني، لأن العلمانية ليست دينا أو معتقدا، إنما هي جزء من منظومة الحكم، وهي اختصاص حصري وشأن خاص بالدولة”.
وأوضح “محمود” أن حزب العدالة والتنمية حتى ليلة المحاولة الانقلابية الفاشلة منتصف يوليو/تموز، تبنى استخدام “القوة الناعمة” من خلال مقاربة وازنت بين “التدين والديمقراطية البعيدة عن العنف”.
وأشار إلى أن نموذج حزب العدالة والتنمية، “لم يكن ضد الشرق أو الغرب، ولم يكن ضد الديمقراطية، والأهم أنه لم يكن ضد الدين، وبالتالي حمل الحزب مقومات نجاحه وانتشاره”.
وأرجع فشل الإخوان المسلمين في مصر على العكس من تجربة حزب العدالة والتنمية التركي، إلى أن “النموذج المصري لم يعتمد نموذج حزب العدالة والتنمية في علاقة الدين بالدولة، إضافة إلى أن البنية الفكرية والعملية لإخوان مصر لم تساعدهم على الارتقاء بالقدر الذي يؤهلهم لمواجهة تحديات المرحلة”، حسب رأي الباحث العراقي في العلاقات الدولية بمؤسسة نصر للدراسات.
وخلال حواره مع “الجزيرة” قال الرئيس التركي، إن حزب “العدالة والتنمية”، الذي أسسه عام 2001، “قدم مفهوما جديدا للديموقراطية، ومفهوما جديدا للعلمانية، وأرى العالم كيف لمسلم أن يمارس السياسة”.
وتحدث الرئيس التركي عن لقائه السابق بمرشد جماعة الإخوان في مصر محمد بديع، ودعوته للمصريين إلى كتابة دستور علماني، رفضه بديع أولا ثم وافق عليه بعد توضيحات أردوغان.
أما جمال الباشا الأستاذ في أكاديمية العلوم الشرعية بالعاصمة الأردنية عمّان، فقد أوضح تفسيره للعلمانية وعلاقتها بحزب العدالة والتنمية بأن “ما يفعله الحزب العدالة والتنمية هو إعادة الدين إلى الحياة، ولكن بحكمة وهدوء؛ إذ لا أحدَ لديه الحدُّ الأدنى من فقه التوحيد يقبل بالنظام العلماني الذي هو فصل الدين عن الحياة”.
ورأى “الباشا”، أن ما وصفها بـ “المعركة اليوم” جزء كبير منها يتعلق “بالمصطلحات أكثر من تعلقه بالمفاهيم”، لذلك كان “الخيار الحكيم هو الالتفاف على مصطلح العلمانية”، حسب قوله.
وأشار إلى أن “ما يعنينا من الناحية الشرعية “هو المفهوم والمضمون الذي يجب أن نحكم عليه من خلال موافقته أو مخالفته للنص الشرعي ومقاصد الشريعة”.
وأضاف، أن “النظام العالمي يفرض على الأنظمة القائمة مفاهيمه الخاصة ببعض المصطلحات، ويصنف الدول وفق معايير معينة؛ لذلك كي تكون الدولة بعيدة عن المواجهة الشرسة فإنه من الحنكة والسياسة الشرعية إعلان الالتزام بتلك المصطلحات والقبول بها ولكن بالمفهوم الخاص بدولنا”.
وشدد “الباشا” في حديثه مع “الأناضول” على أن “تجربة الإسلاميين السياسية أثبتت أن النظام العالمي لن يسمح لهم بقيادة البلاد، بل سيعزلون بالقوة عن أي دور فاعل ومؤثر في المجتمع “، حسب رأيه.
من جانبه، قال الشيخ عصام تليمة، أحد علماء الأزهر من مصر، إن “السياسة الشرعية تختلف عن التدين الفردي الذي يعطي الحق للفرد المسلم أن يتشدد أو يرفض هذا ويقبل ذاك في إطار ما يتعلق به كشخص، أما ما يتعلق بعلاقته بالآخرين والتعامل معهم فالأمر مختلف تماما”.
ورأى، أن “الحاكم إذا أراد تطبيق الشريعة الإسلامية فليس له أن يسنّ هذا بقرار ملزم بل عليه أن يعود إلى الشعب ويستفتيهم”؛ لذلك لا بأس من “العلمانية إذا سمحت بالتداول السلمي للسلطة بالاحتكام إلى صناديق الاقتراع”.
وفي ضوء ذلك، فان العلمانية التركية، من وجهة نظر “الشيخ تليمة”، هي علمانية “محايدة” طالما “أنها لا تعادي الدين ولا تصادر حريات الإنسان الدينية، لأن الإسلام أجاز للمسلم أن يعيش في ظل حكم غير إسلامي إن كان في دولة غير مسلمة بالأساس، وهو ملزم بالالتزام بقوانينها”.
وأوضح، أن ما جاء به الرئيس أردوغان من مفهوم جديد للعلمانية “لا يتعارض مع أصول الدين طالما أن الثابت الذي لا يمس هو توحيد الله رب العالمين”، ويبقى أمر تدين المجتمع “خاضع لسنن التدرج وهي ليست بعيدة عن سنن السياسة بالعمل وفق الممكن وبالتدريج”.
وفي حديثه مع “الأناضول”، أشار الباحث الأردني في شؤون الفرق والحركات الإسلامية، أسامة شحادة، إلى أن “الإسلام حث على السلام والتعايش في القران الكريم والسنة النبوية مع الأديان والمذاهب والطوائف التي تعيش في بلاد المسلمين، وهو ما تحدث عنه أردوغان عندما قال إن “مفهومنا الجديد للعلمانية يعني معيشة كل المجموعات الدينية والفكرية بالطريقة التي يريدونها، والتعبير عن أفكارهم كما يؤمنون بها، وقيام الدولة بتأمين كل المعتقدات”.
وأكد شحادة على أن “الواقع السياسي المعقد في العالم الإسلامي لا يصح فيه التسرع بإنزال الأحكام الشرعية لأنه واقع غير طبيعي وغير مستقر ومحكوم بمنظومة غربية ذات أصول علمانية تفتقر إلى مفهوم محدد متفق عليه”، حسب رأيه.
وأضاف، أن القاعدة العامة التي نحتكم إليها من وجهة النظر الشرعية هي “الاجتهاد في تحقيق مصالح الناس بما لا يتعارض مع الدين بحسب القدرة والاستطاعة”، مشيرا إلى أن “هناك الكثير من أسس الحكم العادل والصالح والمتسق مع الإسلام في تجربة العدالة والتنمية وإنجازات الرئيس أردوغان”.
وتأتي العلمانية في مضمون المواد الثلاث الأولى من الدستور التركي الحالي في تركيا، الذي وضع عام 1981، وهي المواد التي يجب عدم المساس بها وفق المادة الرابعة من الدستور.
الأناضول