لا يتحرّك الشاب “أسامة” إلّا ومعه عكّازه التي اعتاد عليها مع مرور الوقت بعد أن أُصيب بشظية صاروخ متطايرة إثر استهداف الحي الذي يسكنه في مدينة حلب، بقصف الطيران الروسي، مما أدّت لبتر قدميه بعد عملية خضعَ لها في مشفى بتركيا.
خلفت أكثر من سبع سنوات من الحرب السورية، بالإضافة إلى العدد الكبير من الأموات، آلاف المصابين، الذين تعرض كثير منهم لإصابات دائمة، تسببت لهم في إعاقات حركية، ويعيش قسم من هؤلاء في مخيمات اللاجئين السوريين وفي المناطق المحررة
ينتمي “أسامة” إلى أسرة حلبية عريقة، فوالده كان مالكاً لمصنع خياطة للألبسة الجاهزة، قبل أن تتبدل الأحوال مع مطلع الثورة، ويلجًا مع عائلته إلى تركيا بعد أن بترت ساقة قرر العمل مع والده بمهنة الخياطة، متغلباً على إعاقته رغم كل الصعوبات
يبدأ الشاب العمل يوميًا، من الساعة الثامنة صباحاً وحتى السادسة مساءً، في مشغل للخياطة يترأسه معلم خياطة تركي الأصل، في منطقة الريحانية وهي المدينة التي جذبت عشرات الأسر السورية الهاربة من الحرب، وبابتسامة لا تفارق وجهه، يحاول إثبات وجوده والاستمرار بساعات العمل الطويلة دون تذمر
يجدر الذكر أنّ عدداً كبيراً من الشباب السوري فقدوا أطرافهم خلال الحرب في سوريا، ومع مرور الوقت تتزايد الأعداد بسبب احتدام المعارك بين أطراف عديدة في سوريا بالتزامن مع قلّة اهتمام المنظّمات الدوليّة الإنسانيّة والحقوقيّة.
في منزل آخر بمدينة إدلب تعيش الشابة “أسماء” (27عاماً) بعين واحدة، بعدما فقدت عينها اليسرى إثر إصابتها باستهداف للسوق الشعبي للمدينة أثناء تجولها لشراء ملابس العيد لأبنائها الثلاثة ما اضطر الأطباء إلى استئصالها، ولدى مقابلتنا معها كشفت عن حزنها العميق قائلةً “أعاني من مشكلات نفسية انعكست على حالتي العامة، حيث أني ألجأ مرات عديدة للبكاء أثناء وقوفي أمام المرآة، أو توجيه كلمة تشير إلى إعاقتي من قبل أحد الصديقات”.
مضيفةً “أجد صعوبة كبيرة أثناء تعليم أبنائي الدراسة، خاصة وأن الأطباء حذروني من القراءة لساعات طويلة أو مشاهدة التلفاز مما يعرض عيني السليمة للخطر”.
في ذات السياق التقينا بـ “أبي محمد” بمركز للإيواء في مدينة إدلب بعد نزوحه من قدسيا، كان مثالاً عن آلاف المدنيين الذين تعرّضوا لإصابات أثّرت عليهم نفسيّاً وجسدياً، ويقول إنّ قذيفة واحدة من آلاف القذائف التي سقطت على مدن عديدة في سوريا غيّرت مجرى حياته، ونقلته من إنسان عادي إلى إنسان يشكو الإعاقة الجسديّة والعجز أثناء الحركة
متابعاً معنا الحديث بحرقة عن فقده لساقه قائلاً “ليس حزني على فقد ساقي هو أكبر همومي.. فمع أطفال صغار وتهجير قسري بات الألم أكبر والعجز أبلغ”.
البعض من ذوي الاحتياجات الخاصّة تضرروا من الحرب في سوريا ناهيك عن غياب الدعم النفسي والمالي بالتزامن مع تخلّي المؤسسات المحليّة وإهمال الدوليّة لرعايتهم أو تقديم المساعدة لهم، جعلهم يواجهون حياةً صعبة من كلّ النواحي.. ومن ذاق عرف.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد