في الأسبوع الماضي، أبرزت وكالات الأنباء خبر توقيع 51 ضابطا في وزارة الخارجية الأمريكية لمذكرة داخلية تحث على اتباع نهج أكثر قوة في سوريا. وقد حذر الدبلوماسيون من أنه بدون اتخاذ إجراء في سوريا، فلن يكون لدى نظام بشار الأسد سبب للالتزام باتفاقية وقف الأعمال العدائية أو التفاوض مع المعارضة بحسن نية. ومن أجل وقف جاذبية المتطرفين، يجب أن تعترف الولايات المتحدة بأن السيد الأسد هو المسؤول عن الغالبية العظمى من مئات الآلاف من ضحايا هذا الصراع.
وتأتي هذه الدعوات وسط حالة يائسة تصيب الجبهة الجنوبية للجيش السوري الحر في درعا، ويمكن القول إن هذا هو المكان الوحيد الذي تستحق السياسة الأمريكية فيه الإشادة. وتؤدي السياسة الأحادية التي تركز على المتطرفين وتغض الطرف عن النظام إلى تآكل الجهود الناجحة بشكل سريع. ويتوقف احتمال تغلب تحالف قوات المعارضة على الأزمة التي تستفحل هناك على ما إذا كانت الإدارة الأمريكية ستستمع إلى نصيحة الدبلوماسيين أم لا.
وكقوة مقاتلة قابلة للبقاء وتتكون بشكل أساسي من قوات المعارضة القومية التي تتركز في منطقة واحدة، غالبا ما تتم الإشارة إلى الجبهة الجنوبية باعتبارها النموذج الأكثر نجاحا للمعارضة. وخلافا للوضع الأكثر فوضوية في الشمال، تم احتواء الجهاديين في الجنوب من قبل القوات القوية والقادرة على الجمع بين القوة والحكم، مثل الجبهة الجنوبية. وفي الآونة الأخيرة، واجه تحالف المعارضة ضغوطا رباعية يمكن أن تؤدي إلى زواله.
ويتعرض الثوار لضغوط من قيادة مركز العمليات العسكرية الذي تقوده الولايات المتحدة من عمان من أجل التركيز على قتال تنظيم الدولة الإسلامية في درعا. وكما ذكرت تقارير موقع ذا ناشونال في الأسبوع الماضي، علقت قيادة مركز العمليات العسكرية تسليم شحنة من الأسلحة والأموال المقرر تسليمها للمعارضة في الأسبوع الذي قبله. وسوف يكون تسليم الأسلحة والأموال مشروطا بقيام المعارضة بعمل عسكري ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وتأتي هذه السياسة الملتوية وسط ضغوط شعبية هائلة وانتقادات موجهة لقوات الجبهة الجنوبية. ففي خلال عطلة نهاية الأسبوع، وزعت المعارضة وثائق موقعة من قبل 50 عضوا من ذوي النفوذ المؤثر للغاية في أوساط المعارضة – بما في ذلك قادة عسكريين وناشطين ورجال دين- تحث الجبهة الجنوبية على عدم الوقوف مكتوفي الأيدي بينما يتم قصف بقية سوريا من قبل النظام والداعمين له.
وينبع مثل هذا النقد من التصور الذي يقضي بأن الجبهة الجنوبية ما هي إلا دمية في يد الدول الأجنبية. وتنص مذكرة وزارة الخارجية بحق على أن السوريين لازالوا يرون نظام الأسد باعتباره عدوهم الأساسي، والطريقة الوحيدة لحشد الجميع ضد هذا النظام هو وضع حد للانتهاكات الصارخة التي يرتكبها.
ويكاد يُجمع الجميع داخل سوريا على أن داعمو ائتلاف الثوار في الجنوب يحظروا على الائتلاف التقدم إلى قواعد النظام الحساسة بالقرب من العاصمة دمشق. وتتعرض مصداقية تحالف الثوار بالفعل للتشكيك في جميع أنحاء سوريا، كما أن زيادة الضغط على الثوار من أجل التركيز أكثر على محارية تنظيم الدولة الإسلامية سوف يؤدي إلى إضعافها بلا شك. ومما يزيد الموقف سوءا، تهديد قيادة مركز العمليات العسكرية بسحب الدعم إذا لم يشن الثوار حملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
وعن طريق الضغط على تحالف الثوار في الجنوب من أجل تحويل جهودهم إلى تنظيم الدولة الإسلامية، فإن الولايات المتحدة تضعف الائتلاف وتعزز تنظيم الدولة الإسلامية في الوقت نفسه.
ويجادل دبلوماسيو وزارة الخارجية في المذكرة الداخلية بأن عدم وقف انتهاكات دمشق سوف يعزز من الجاذبية الأيديولوجية لجماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية. وينبغي الاعتراف بهذه الحقيقة خصوصا وأن الجبهة الجنوبية تواجه الآن قوات تنظيم الدولة الإسلامية الأكثر تنظيما في درعا بعدما اندمجت ثلاثة فصائل محلية في تحالف واحد موالي لتنظيم الدولة الإسلامية في الشهر الماضي.
وبجانب قيادة مركز العمليات العسكرية، ونشطاء المعارضة، وتنظيم الدولة الإسلامية، تطالب الأسر المحلية أيضا الجماعات المسلحة بتوقيع هدنة مع الروس. وقد لا تكون هذه المطالب حاسم في الوقت الراهن، ولكنها تضاف إلى الضغوط الحالية وتوضح أن أهمية الجبهة الجنوبية يتم التشكيك فيها على نحو متزايد من قبل كل من المعارضة المتشددة والناس العاديين.
الوضع غير المستقر للجبهة الجنوبية هو وضع حقيقي. فإذا اختارت الجبهة إرضاء الداعمين الخارجيين من خلال التركيز على تنظيم الدولة الإسلامية وإهمال دعوة نشطاء المجتمع المدني والعسكريين والشخصيات الدينية المؤثرة، فسوف يضعف موقفها في نظر الناس العاديين. كما سوف يعزز ذلك أيضا من موقف تنظيم الدولة الإسلامية ،كما قلت سابقا، والتي تسعى إلى التوسع في جنوب سوريا عن طريق الاعتماد على الموالين لها من المنطقة، وكثير منهم يأتون من القبائل المحلية البارزة.
سياسة مكافحة تنظيم الدولة الإسلامية في درعا سياسة مضللة بشكل واضح. وهي تتفق مع السياسة الأوسع لوقف تقدم تنظيم الدولة الإسلامية من خلال الاعتماد عادة على القوات التي ينظر إليها بشكل مريب من قبل السكان المحليين.
وفي الجنوب، لا يوجد مثل هذه القوى التي يمكن لقوات التحالف التي تقودها الولايات المتحدة أن تعتمد عليها في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية، إلا إذا كانت تريد أن تعمل مع السيد الأسد.
وهذا لا يترك للولايات المتحدة سوى خيار واحد جيد وهو الاستماع إلى النصيحة العاقلة التي أسداها 51 دبلوماسيا.
ذا ناشيونال – إيوان24