ذكر موقع “ديلي بيست” في تقرير أعده مايكل ويس ومصطفى إياد أن تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” لم يرد أن يكون متخلفا عن تطوير نفسه في الحرب السيبرانية، حيث قام بسرقة حسابات أشخاص عاديين على “فيسبوك”، ليس فقط لنشر دعايته الجهادية، ولكن للتحريض على المزيد من الاضطرابات بهويات كاذبة.
وقال التقرير إن قراصنة سيطروا الأسبوع الماضي على حسابات “تويتر” لباراك أوباما وجيف بيزوس وإيلون ماسك وجو بايدن. كما قام عناصر تابعون للمخابرات الخارجية الروسية بمحاولة قرصنة معلومات بحثية تتعلق بلقاح ضد فيروس كورونا في أمريكا وكندا وبريطانيا، بحسب مركز الأمن السيبراني القومي في المملكة المتحدة.
وأوضح تقرير مفصل من معهد الحوار الإستراتيجي، أنه بينما استطاعت “فيسبوك” أن تكتشف وتحذف 99% من المنشورات المتعلقة بالإرهاب، استطاع مؤيدو تنظيم الدولة اكتشاف طرق لبقاء محتواهم الذي يشكل 1%.
فاكتشفوا ابتداء كيف يقومون بسرقة معلومات التحقق بخطوتين عن طريق تطبيق يقوم باعتراض نص إعادة تحديد كلمة السر. حتى أنهم قاموا بمشاركة فيديوهات تشرح كيف يمكن القيام بالسيطرة على حسابات “فيسبوك” حقيقية.
وعندما يستطيعون فعل ذلك يستخدمون هذا لتوجيه تعليمات لمؤيديهم على أساليب التحريض لمفاقمة الاضطرابات العنصرية والمدنية.
وقال متحدث باسم “فيسبوك” لـ”ديلي بيست”: “لا نتسامح أبدا مع الدعاية الإرهابية على منصتنا، ونقوم بإزالة أي محتوى على الحسابات التي تنتهك سياساتنا بمجرد التعرف عليها”.
الرسائل الأساسية شبيهة جدا بما وصفه روبرت مولر في توجيه التهم للروس الذين حاولوا التأثير على الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 2016. ولكن من حيث المحتوى، كان عاملو الكرملين متطورين جدا بالنسبة لما قام به تنظيم الدولة.
وما يستخدمه التنظيم، يبدو أنه صورة رديئة لأدوات قامت وكالة أبحاث الإنترنت الروسية بتوظيفها في حربها على وسائل التواصل الاجتماعي ضد أمريكا. النتائج لحد الآن مضحكة ولكن النوايا ليست كذلك. وقد وصف أوباما تنظيم الدولة مرة بأنهم فريق هواة، ولكن لا أحد يجب أن يفعل ذلك ثانية.
وقد شاهد الباحثون في معهد الحوار الإستراتيجي على مدى الثلاثة أشهر الماضية، كيف قام مؤيدو تنظيم الدولة “داعش” على “فيسبوك” بإغراق مواقع مثل وزارة الدفاع الأمريكية وأكاديمية القوات الجوية الأمريكية والجيش الأمريكي وحتى صفحة دونالد ترامب بالتعليقات. وقام مؤيدو تنظيم الدولة بإنتاج شركة إعلام اجتماعي باسم “روما” للقيام بهجمات جماعية على المواقع المعادية. (والتسمية استمرار لتسمية رومية، المجلة التي كان يصدرها تنظيم الدولة).
ولكن نشر المقالات الفارغة أبعد ما يكون عن الاستيلاء على مدن في الشرق الأوسط، وليس بنفس خطورة التحريض على جرائم حقيقية في أنحاء العالم من خلال كتب تعليمات بسيطة ولكنها فعالة.
ولكن مناورة تنظيم الدولة الجديدة تثبت مدى تجاوب التنظيم وتأقلمه عندما يتعلق الأمر بالدعاية والمعلومات الكاذبة، الذي هو الآن اختصاص كل المخابرات الأجنبية تقريبا.
مناورة تنظيم الدولة الجديدة تثبت مدى تجاوبه وتأقلمه عندما يتعلق الأمر بالدعاية والمعلومات الكاذبة
وفي هذه الحالة، تقوم أولا بتقمص شخصية حقيقية لتحقيق مصداقية، ثم تقوم بإغراق المنصات بالمعلومات الكاذبة.
وهذا الأسلوب البدائي الذي طوره التنظيم للقيام بعملياته على الإنترنت، يدل على أن هذا العمل في بداياته.
فمثلا في 6 حزيران/ يونيو، عرضت مجموعة صفحات “فيسبوك” بأسماء غربية مثل ألين وراند وصوفي وماثيو فيديو لمدة 15 دقيقة بعنوان “المنقذ”، وهو عبارة عن مونتاج من انتصارات تنظيم الدولة تتوسطه خمس دقائق تتحدث عن الانتصارات السيبرانية؛ مثل هجوم أنصار التنظيم على صفحة دونالد ترامب.
وبدأت تلك الفقرة بنص على الشاشة يفصل “هجوما” في 2 حزيران/ يونيو على صفحة “فيسبوك” الرئاسية حول نشر الحرس الوطني في مدينة نيويورك، بينما كانت المظاهرات تجتاح البلد كرد فعل على قتل الشرطة لجورج فلويد.
ووصف الفيديو كيف يمكن للمؤيدين أن يزرعوا المزيد من الفرقة في أمريكا بتقمص شخصيات سود أمريكيين ونشر استفزازات مثل: “الأسلحة ليست للبيض فقط، نحن أيضا نستطيع استخدامها”، و”لا تهددونا بالحرس الوطني فنحن أصلا محاربون”.
وهذه الحركة تشبه محاولة روسيا الموثقة بشكل جيد في تقمص حسابات أشخاص من حركة “حياة السود مهمة” عام 2016.
لا شك أنه حتى أكثر مؤيدي ترامب سذاجة لن يصدق أن “راند” و”ألين” و”ماثيو” يحيون انتصار الجهاديين السلفيين ولن ينظروا للمسألة أكثر من كونها اختراقا: فلم يصدقها الأشكال الذين يرددون شعار جعل أمريكا عظمة ثانية MAGA ولا منتقدوهم. ولكن طبعا هذا لم يمنع أن يحتفل التنظيم بالخرق على أنه انتصار، يثبت أن المنصة التي تستطيع حذف 99% من المحتوى الإرهابي لا تزال عرضة للاختراق.
وكان الهجوم على صفحة “فيسبوك” الرئاسية واحدا من سلسلة من الهجمات الرقمية لتنظيم الدولة. الأول كان على وزارة الدفاع ونظمه شخصان من داعمي “روما”، نظما عملية الهجوم بأعداد كبيرة على صفحات “فيسبوك” التابعة للمؤسسة العسكرية الأمريكية. والهدف كان “إرهاب الصليبيين” باستهداف وجود البنتاغون على منصات التواصل الاجتماعي. والتعليقات على تلك المنشورات أصبحت أرضيات إثبات افتراضية حيث قام عدد من مؤيدي تنظيم الدولة بنشر صور جاهزة، أو قاموا بنسخ ولصق نصوص باللغتين العربية والإنكليزية.
أحد الملصقات كان صورة للدخان ينبعث من مركز التجارة العالمي في 11 أيلول/ سبتمبر، والتعليق عليها: “سنفعلها ثانية انتظروا..” وحمل شعار “روما”.
وقام التنظيم بعدها بتدوير المحتويات نفسها لمهاجمة صفحة أكاديمية القوات الجوية الأمريكية على “فيسبوك” في أواخر حزيران/ يونيو وأوائل تموز/ يوليو. وعبّر مؤيدو التنظيم عن غضبهم على اغتيال أمريكا لأبي بكر البغدادي في تشرين الأول/ أكتوبر 2019 ونشروا سلسلة من صور المقاتلين ببزاتهم السوداء كتب عليها: “إن قتلتم البغدادي لم يمت الجنود وسيقومون بالانتقام”.
ولم تعد دعاية تنظيم الدولة “داعش” كما كانت أيام عزها؛ حيث كانت الفيديوهات تنتج بشكل احترافي، واليوم تبدو كأنها أفلام فيديو بيتية.
ويسيطر تنظيم “داعش” على خمسة مواقع على الشبكة العنكبوتية المفتوحة. بما فيها “نتفليكس الجهادية” (لا علاقة لها بشبكة نتفليكس الحقيقية)، ويقوم ببث فيديوهات الدعاية للموقع على كل من “فيسبوك” و”تويتر”. ولم تتم إزالة أي من تلك المواقع. أحدها بث راديو مستمر يبث من بين قوائم من البرامج من إذاعة البيان التابعة للتنظيم، التي تم قصفها عام 2016 من قوات التحالف ووجدت الآن حياة جديدة على الشبكة كمنصة فيديو.
كما أن هناك 4 مواقع باللغة البنغالية للمؤيدين في جنوب آسيا. وله موقع تجميع أخبار يظهر في مقدمة 17 مليون موقع إخباري باللغة العربية، عندما تبحث في غوغل عن “أخبار إسلامية”. وفي أيار/ مايو نشر موقع مؤيدي تنظيم الدولة “درع الخلافة السيبراني” يفصل نجاحاته في اختراق مواقع اتحاد الشرطة الأمريكية واختراق منصة الاتحاد الأفريقي للمراقبة والتقييم، وحذف المدراء والمستخدمين منها.
كما يقوم التنظيم بتطوير إمكاناته على مواقع التواصل الاجتماعي باستخدام تطبيقات تستغل التحقق بخطوتين، وتسمح لمؤيدي التنظيم بالاستيلاء على حسابات “فيسبوك” موجودة. ومع ذلك، فإن إنتاج التنظيم المقروء لا يقارن بما كان عليه عندما كان يسيطر على الرقة والموصل، الذي اضطره فقدهما إلى لا مركزة فعالياته.
واعتمد التنظيم دائما على القرصنة السيبرانية، ويستخدم التهديد “كنا هنا ويمكننا الوصول إليكم في أي مكان”، وهذه الرسالة بقيت كما هي عندما أصبح للتنظيم وجود على الأرض في بلدين في الشرق الأوسط. والآن يعود مؤيدوه الموزعون في كل مكان إلى القرصنة، ولكن هذه المرة للإقناع عن طريق سياسة الإنكار.
وقد تبدو دعوة “ميغان من أوهايو” إلى حرمان الشرطة من التمويل وقتل المرتدين في الوقت نفسه من الغباء أن تحمل محمل الجد، ولكن السنوات القليلة الماضية أثبتت أن الأمر لا يتحمل كثيرا من التدخل الخارجي كي تدمر أمريكا نفسها من الداخل. ومن الخطأ إهمال هذه المحاولات البدائية.
نقلا عن القدس العربي