أشار الكاتب الأردني “محمد أبو رمان” في مقاله على صحيفة العربي الجديد، إلى أن مفاوضات جنيف الحالية للسلام في سورية، يمكن اختزالها بعبارة واضحة صريحة، وهي “دقّت ساعة الحقيقة”، إذ أزالت إدارة الرئيس الأميركي، باراك أوباما، ما تبقى من “مكياج” دبلوماسي عن موقفها الحقيقي، أو بالأحرى الانقلاب الجذري في موقفها من “الصراع في سورية”.
وكانت معالم التغير في الموقف الأميركي تشي بها تسريبات وتصريحات عديدة مواربة للمسؤولين، وكذلك المؤشرات لما يدور “تحت الطاولة” بين الأميركيين والروس. لكنّ ما حدث عشية المفاوضات من الوزير، جون كيري، إعلان صريح عن انقلاب كامل تماماً في السياسة تجاه سورية، وانحياز لرؤية المعسكر الروسي- الإيراني في تصور الحل السياسي المطلوب.
الحلقة المفصلية تمثّلت بإعادة تعريف الصراع الحالي بوصفه “حرباً أهلية”، بدلاً من “ثورة ضد نظام استبدادي”، وبفك الارتباط المعقود أميركياً وغربياً بين صعود تنظيم الدولة الإسلامية وسياسات الأسد التي أنتجت ذلك.
لم تكن أغلب الدول جديّةً في انضمامها إلى التحالف، أو التوافق على رؤية استراتيجية مشتركة للمصالح ومصادر التهديد الأمني. وربما تكون أبرز الدول التي كانت تسعى القيادة السعودية إلى وضعها في صفّها، في ترسيم تحالف إقليمي، ذي طبيعة سنية، هما باكستان ومصر، لكن من الواضح أنّهما غير مقتعتين بعد، بهذه الخطوة النوعية.
التحول في موازين القوى والمزاج الدولي والإقليمي انعكس على أرض الواقع في الصراع السوري، في الأسابيع الأخيرة، إذ تمكنت القوات السورية، بدعم مغدق من الروس، وبمشاركة إيرانية مباشرة، مع حزب الله، من استعادة محافظة اللاذقية كاملة، ومن التقدم في الجنوب والسيطرة على بلدة الشيخ مسكين الاستراتيجية، ومن السيطرة على مساحاتٍ واسعةٍ في دمشق وريفها، وإضعاف موقف بقايا المعارضة المسلحة، الموالية للسعودية والأردن، استراتيجياً، بعد قتل قائد جيش الإسلام زهران علوش.
المحور الروسي- الإيراني يرمي بكل ثقله على الأرض في سورية، والغرب والعرب يتفرّجون، بينما تشارك القوات الأميركية بقوة في معارك العراق، وتغمض عينيها تماماً عن النفوذ الإيراني هناك، وما تعرّض له السنة العراقيون من جرائم مفضوحة في محافظة ديالى، تمهيداً لتطهير طائفي، أو الحصار المطبق على الغوطة في دمشق.
صحيح أنّ الحل العسكري غير ممكن، حتى لو تغيرت الموازين حالياً، في معركةٍ غير عادلةٍ ولا نظيفة، إلاّ أن تغيير موازين القوى أمر مهم للغاية، وينعكس إقليمياً ومحلياً، من ناحية. ومن ناحية أخرى، سيسجل هذا الاختلال والتخلي عن الفصائل المعتدلة لصالح دعاية وخطاب داعش، وسيؤدي، في نهاية اليوم، إلى تدعيش السنة، وتطريفهم تحت وقع حالة الإحباط واليأس وفقدان الأمل حالياً.
يسير الوضع الراهن نحو ابتلاع المنطقة، بدءاً من العراق وسورية، من المحور الروسي – الإيراني، وسيؤدي، في المحصلة، وعلى المدى المتوسط إلى “انقراض العرب” استراتيجياً وحضارياً، وإغراقهم في حروبٍ أهليةٍ وصراعاتٍ داخلية، وحالة قبائلية في مواجهة قوى دولية وإقليمية جبارة، أليست هذه نبوءة واسيني الأعرج في رواية “العربي الأخير”؟
العربي الجديد