أسقطت دعوة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى إقامة مناطق آمنة في سوريا الرهانات التي توقعت أن تغير الإدارة الأميركية الجديدة موقفها من الأزمة السورية وأن تقترب أكثر من روسيا.
يأتي هذا فيما تسعى الإدارة الأميركية الجديدة لبناء تحالفاتها على ضوء توجه ترامب لمحاصرة إيران وإعادة الحرارة إلى العلاقات الأميركية الخليجية، وهي ملفات ستكون على رأس لقاء الرئيس الأميركي برئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي في واشنطن.
وقال ترامب في مقابلة بثتها محطة “إيه بي سي نيوز″ مساء الأربعاء إن إدارته ستنشئ مناطق آمنة لاستيعاب النازحين السوريين.
ووفقا لوسائل إعلام أميركية، يفترض أن يضع البنتاغون في غضون 90 يوما خطة لإنشاء هذه المناطق في سوريا أو بلدان حدودية معها.
ومن شأن هذه الدعوة الصادمة أن تلغم العلاقة مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي راهن على استيعاب الإدارة الجديدة في مسار أستانة لحل الأزمة السورية القائمة على جمع المعارضة والنظام ودفعهما إلى تقديم التنازلات الكافية لإنجاح هذا المسار.
وقال متابعون للشأن السوري إن دعوة ترامب إلى إقامة مناطق آمنة، كان رفضها سلفه باراك أوباما، ستعيد الحل في سوريا إلى نقطة الصفر، وتخلط أوراق مختلف الأطراف، خاصة أن الرئيس الجديد لا يبدو أنه تواصل مع روسيا أو أجرى المزيد من التشاور داخليا لإنضاج موقف إدارته من الملف السوري.
ودعا دميتري بيسكوف، المتحدث باسم الرئاسة الروسية ترامب، إلى دراسة “العواقب” المحتملة لهذا القرار. وقال “الولايات المتحدة لم تنسق مع روسيا بخصوص أي خطط لإقامة مناطق آمنة في سوريا”.
وأشار المتابعون إلى أن هذه الدعوة تصب في خدمة أنقرة، وقد تفهم على أنها حث للأتراك على إعادة تعاونهم مع موسكو في مسألة الحل، مقابل تحقيق مطلبهم بإقامة مناطق آمنة على الحدود مع سوريا.
وبسرعة تلقفت أنقرة هذه الدعوة الأميركية، وحثت إدارة ترامب على تنفيذها.
وقال حسين مفتي أوغلو المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية “رأينا طلب الرئيس الأميركي بإجراء دراسة. المهم هو نتائج هذه الدراسة وما هو نوع التوصية التي ستخرج بها”.
لكن مراقبين، قللوا من نتائج دعوة ترامب إلى إقامة المناطق الآمنة، وتأثيرها على الملف السوري، مشددين على أن الرئيس الأميركي فكر في حل مشكلة اللاجئين دون قراءة التداعيات السياسية لدعوته.
وجاءت دعوة ترامب إلى إقامة مناطق آمنة في حديثه عن قضية اللاجئين، إذ قال إن “أوروبا ارتكبت خطأ كبيرا بالسماح للملايين من اللاجئين بالدخول إليها”.
وأشار المراقبون إلى أن ترامب مازال يتلمس الطريق إلى التحالفات، ومن المستبعد أن يبادر بإغلاق الباب أمام التقارب مع روسيا التي تتهم بأنها ساعدته على الوصول إلى الرئاسة، والتي ستكون أكبر داعم لخطته في الحرب على الإرهاب كأولوية كبرى.
واعتبر المحلل السياسي الروسي بوريس دولغوف أنه من المبكر تقييم دعوة ترامب إلى إقامة منطقة آمنة وما هي أغراضها.
وقال في تصريح لـ”العرب”، “قد يمكن تفسير هذه المناطق الآمنة على أنها مناطق بديلة للاجئين السوريين للبقاء في بلادهم بدلا من الهجرة، إلا أن روسيا تتعاون مع تركيا لإيجاد حل شامل يحول كل سوريا إلى منطقة آمنة”.
وأكد دولغوف، الباحث في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية، على أن روسيا لن تسمح بالعودة إلى نقطة الصفر فهي مصرة على وقف إطلاق النار، لافتا إلى أن هذه المناطق ستكون موضوع نقاش بين روسيا والجانب الأميركي دون أن يؤدي الأمر إلى خلافات حادة كما كان في عهد أوباما.
وشدد على أن موقف أنقرة من دعوة واشنطن إلى إقامة هذه المناطق الآمنة لن ينسف التقارب مع روسيا، لأن موسكو وأنقرة دخلتا حالة من التحالف في ملفات كثيرة وليس فقط الملف السوري.
وستحتاج الإدارة الأميركية الجديدة إلى وقت لتثبيت تحالفاتها سواء في أوروبا، وهو ما تعكسه زيارة رئيسية الوزراء البريطانية تيريزا ماي، أو في منطقة الشرق الأوسط في ضوء تفكير ترامب في إعادة النظر بالاتفاق النووي مع إيران والتصدي لخططها بإثارة الصراعات الطائفية وتهديد الأمن الإقليمي للخليجيين الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة.
وكشفت أوساط بريطانية قريبة من رئيسة الوزراء البريطانية أن الأخيرة تعوّل كثيرا على زيارتها للولايات المتحدة الجمعة لتحديد تموضع بريطانيا الجديد داخل أوروبا والمشهد الدولي العام قبل إطلاقها لعملية الخروج من الاتحاد الأوروبي.
وستستكشف ماي سياسات واشنطن المقبلة في ملفي سوريا وليبيا خصوصا وأنها تزور الولايات المتحدة في منتصف الجدل حول خطط للرئيس الأميركي للعمل على إنشاء مناطق آمنة داخل سوريا بما يعتبر تحولا جذريا في موقف واشنطن من المسألة السورية.
وفيما صرحت ماي بأنها ستبحث مع ترامب مسألتي مكافحة داعش ومستقبل حلف الأطلسي، إلا أن مصادر وزارة الخارجية البريطانية كشفت أنها ستناقش مع ترامب أيضا المسائل المتعلقة بشؤون الشرق الأوسط، خصوصا وأن لندن، ومن خلال مشاركة رئيسة الوزراء في أعمال القمة الخليجية الأخيرة في المنامة، أظهرت اهتماما متقدما بالعودة للعب دور أكثر دينامية في الشرق الأوسط.
وكانت ماي أعلنت في المنامة أن إيران تشكل خطرا واضحا على منطقة الخليج ولا بد من التصدي لها عن طريق بذل جهود مشتركة.
وتؤكد أوساط بريطانية أن ماي ستسعى من خلال مباحثاتها مع ترامب إلى تقريب واشنطن من التوجهات التي أعلنتها في المنامة من دعم كامل لدول الخليج ضد السياسة العدائية لإيران، وهي ستشجع في هذا المضمار الرئيس الأميركي على إعادة تصويب العلاقات الأميركية الخليجية والتي تعرضت للارتباك والبرود إبان عهد أوباما.
العرب اللندنية