أجريت دراسة علمية جديدة ثيرة للدهشة، تشير إلى أن هناك علاقة مباشرة بين الثورة المسلحة والحراك الذي شهدته سوريا منذ مطلع العام 2011 وبين تغير المناخ.
صباح أيوب
هو الجفاف في الأصل، قبل دبابات النظام والنووي و«داعش» و«النصرة»، الذي أدّى إلى ما شهدته سوريا من اضطرابات ولا تزال منذ خمسة أعوام، هكذا قالت إحدى «الدراسات العلمية» الأميركية المنشورة أخيراً. الدراسة الصادرة عن المجلة العلمية الشهيرةProceedings of the National Academy of Sciences of the United States of America PNAS، أكّدت أن «هناك دليلاً على أن موجة الجفاف التي شهدتها سوريا بين عامي ٢٠٠٧ و٢٠١٠ أسهمت في الأزمة التي نشبت في البلد».
موجة جفاف «هي الأسوأ» تلك التي ضربت سوريا على مدى ٣ أعوام، والتي سببت «نزوح عدد كبير من العائلات العاملة في الزراعة إلى المدن»، لفتت الدراسة مضيفة أن مستوى قساوة الجفاف في تلك الفترة فاق المعتاد بدرجتين إلى ثلاث درجات. الجفاف لعب دور «المحفّز» لنشوب الصراع الأهلي في سوريا، يستنتج معدّو الدراسة، خصوصاً وسط غياب «سياسات تنمية مستدامة للقطاع الزراعي والبيئي في البلد».
ومن أبرز نتائج الجفاف بيّنت الدارسة أنه في المناطق الشمالية الشرقية لسوريا، عانت القرى والمناطق الزراعية من نفوق عدد كبير من المواشي وارتفاع أسعار الحبوب بشكل مضاعف وازدياد الأمراض المرتبطة بالتغذية، خصوصاً عند الأطفال، ما أدى إلى نزوح ما لا يقلّ عن 1.5 مليون مواطن من تلك المناطق إلى المدن.
الدراسة استشهدت ببعض ما قاله مزارعون سوريون في المناطق التي ضربها الجفاف مثل المزارعة محاسن من إحدى قرى شمال شرق سوريا التي قالت إن «الجفاف والبطالة كانا عاملين مهمين في دفع الناس للثورة. تحمّلنا الجفاف سنتين ثم نهضنا لنقول كفى لم نعد نحتمل!».
وإضافة إلى الجفاف، تعدد دراسة PNAS، عوامل أسهمت في تفاقم الأزمة البيئية ــ الاجتماعية ــ الاقتصادية منها: الزيادة السكانية السريعة التي شهدتها سوريا من ٤ ملايين نسمة في الخمسينيات إلى ٢٢ مليون حالياً، وظاهرة انتشار الآبار الأرتوازية غير الشرعية التي أثرت على مخزون مهم من المياه الجوفية، إضافة إلى تشجيع نظام الأسد (الأب والابن) تصدير الزراعات التي تحتاج إلى ريّ كثير مثل القطن.
ومن خلال بعض المقاطع التي نشرت على موقع المجلة العلمية وأخرى تناقلتها وسائل إعلام غربية أمس، لفت متابعون إلى أنها «المرّة الأولى التي يخرج فيها العلماء ليؤكّدوا ما كانوا يتباحثون به منذ سنوات، أي سبّب التغيّر المناخي حروباً وصراعات أهلية، ويسمّون سوريا نموذجاً لذلك». وعموماً، تشرح الدراسة أن ارتفاع درجات الحرارة والجفاف يؤذيان الزراعة، ما يؤدي إلى خنق مورد اقتصادي في أنظمة ضعيفة وغير مستقرة أساساً.
خطر الجفاف القاسي يهدد أيضاً معظم دول شرق الحوض المتوسط، وخصوصاً تركيا ولبنان وفلسطين المحتلة والأردن والعراق وأفغانستان، «التي تعاني أيضاً من تاريخ طويل من الصراعات، ما يزيد احتمال أن تمتد الأزمات في تلك المنطقة لعشرات السنين القادمة»، حذّرت الدراسة الأميركية.
«عوامل مناخية تضاف إليها أخرى اقتصادية واجتماعية ستعرّض «دول الهلال الخصيب» لخطر استمرار العنف، خصوصاً لدى أنظمة غير مهيّأة لوضع وتنفيذ سياسات زراعية وبيئية مناسبة لاستدراك مخاطر تغيّر المناخ وتبعاته»، ينبّه واضعو الدراسة.
«هل كان الجفاف عاملاً جوهرياً أو أولياً لنشوب الأزمة السورية، لا يمكننا أن نجزم، لكن للجفاف تداعيات كارثية، خصوصاً إذا كان هناك عوامل مساعدة موجودة أصلاً»، يقول الباحث كولن كيلي أحد المشاركين في وضع الدراسة.
صحيفة «ذي إندبندنت» البريطانية ذكّرت بأنّ دراسة لـ»تشاثام هاوس» كانت قد حذّرت أيضاً من أنه «مع ازدياد الحاجة إلى القمح في تلك الدول المعرّضة لموجات جفاف وعدم التمكّن من سدّها، سنشهد ارتفاعاً مفاجئاً للأسعار ترافقه ردود فعل مبالغة ومعسكَرة في بعض الأحيان».
يذكر أن مسألة ربط التغيّر المناخي، وخصوصاً الجفاف بالصراعات الأهلية شكّلت مادة بحث علمي ونقاش منذ أعوام، لكن تلك الفرضية العلمية لم تحسم بشكل قاطع بعد، وبعض المنتقدين ما زالوا يفتّشون عن «أدلّة دامغة» لبتّها.
المصدر: الأناضول