هكذا يمكن أن نساعد ضحايا الكلور في سوريا
دايلي تيليغراف
لقد كان استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا – على شكل هجوم مرعب في ضواحي دمشق في صيف عام 2013- هو أول ما أثار التحرك الدولي. وفق الاتفاق الروسي الأمريكي, الذي تم التوصل إليه مع دعم من الأمم المتحدة فإن مخزون الرئيس بشار الأسد من غاز السارين والمكونات الكيماوية الأخرى يجب أن يخضع للرقابة الدولية.
ولكن برز الآن أمر مرعب آخر وهو استخدام الكلور. الاختبار الذي أجري لصالح هذه الصحيفة الشهر الماضي على يد العقيد البريطاني المتقاعد هاميش دي بريتون غوردون,الذي يدير حاليا شركة استشارات متخصصة في الأسلحة الكيماوية, أظهر وجود الكلور والأمونيا في العينات التي أخذت من مسرح الحدث من ثمانية مواقع شنت فيها الهجمات شمال غرب سوريا. شهود العيان ذكروا أن القنابل ألقيت عن طريق المروحيات, إذا صح ذلك, فإن ذلك يعني أن نظام الأسد هو المسئول عن إلقائها.
الكلور ليس فتاكا مثل السارين, وفي الواقع فإن السرعة التي يتبدد أثره فيها تعني أنه يستخدم في الحرب بصورة كبيرة. وفي جميع الاحوال فإنه ربما يؤدي إلى الوفاة – كما حصل في سوريا- كما يمكن أن يؤدي إلى الشلل وأن يتحول إلى حمض هيدروكلوريك الأسيد في الرئتين والحنجرة. كما أن لديه القدرة على الكبيرة على بث الذعر بين الناس, وربما يكون ذلك هو الهدف الرئيس في هذه المرحلة من الحرب الأهلية طويلة الأمد في سوريا.
لا يمكن القول بصورة قاطعة إن أي استخدام للأسلحة الكيماوية يعتبر جريمة. ولكن هذا الشكل من الاستخدام محظور بموجب المعاهدة الدولية لحظر انتشار الأسلحة الكيماوية التي وقعت عليها سوريا مؤخرا. ولكن الجهود الرامية لمعاقبة أولئك الذين ألقوا هذه القنابل – أو حتى منعهم من القيام بذلك- لا زالت تواجه الكثير من العقبات, ليس أقلها أولئك الذين يدعون أنه لا يوجد ما يكفي من أدلة لتحميل المسئولية لأحد الأطراف.
كما ان المجتمع الدولي اجبر على الوقوف موقف المتفرج لأن الغرب منقسم داخليا حول صحة التدخل واستخدام كل من روسيا والصين سابقة ليبيا – حيث يعتقدون أن التدخل الإنساني استخدم من قبل الناتو كغطاء لتغيير النظام- لمنع أي تحرك حيال سوريا. الأزمة الأوكرانية أيضا جعلت من الصعب القيام بعمل مشترك ضد استخدام السارين فما بالكم عنما يتعلق الأمر باستخدام الكلور.
ولكن حتى لو لم يكن في إمكاننا وقف استخدام الكلور, فإن بوسعنا التخفيف من تأثيره على المدنيين. في الواقع, فإن حقيقة أن انه من غير الصعب حماية الشخص لنفسه من مثل هذه الهجمات يوفر فرصة لأولئك الذين يعانون من الصراع مع الأخذ بعين الاعتبار استحالة وجود حل سريع للصراع.
كيف يمكننا القيام بذلك؟ من خلال رفض انتظار أن تقوم الحكومات بالتحرك, أو حتى الأمم المتحدة. بدلا من ذلك, علينا –كأفراد- أن ندعم المنظمات الخيرية التي تعمل حاليا مع الأطباء والممرضات في هذه المناطق الأكثر تضررا من استخدام الكلور.
من خلال القيام بذلك لا أقصد التقليل من عمل المنظمة الدولية لحظر الأسلحة الكيماوية, التي قالت إنها سوف تتحرى في الهجمات الأخيرة, وتسعى للدخول من خلال الحكومة في دمشق كما يجب, كمنظمة مدعومة من الأمم المتحدة. المنظمة الدولية هيئة جيدة, ولديها دور واضح تؤديه. ولكنها لحد الآن غير قادرة على الوصول إلى المناطق الرئيسة, التي تقع خلف خطوط المتمردين. كما أن فرنسا والولايات المتحدة يجرون اختباراتهم الخاصة على العينات التي يعقتد أنها أخذت من نفس المواقع التي اجرت عليها التيليغراف اختبارها. وقد أشار كل من جون كيري وزير الخارجية الأمريكي ولوران فابيوس وزير الخارجية الفرنسي إلى أنهم يتوقعون ان تظهر النتائج المزيد من استخدام المواد الكيماوية كأسلحة من قبل النظام. ولكن كما حصل في الماضي, فإن ذلك لن يؤدي على الأرجح إلى القيام بأي تدخل عسكري خارجي.
في هذا السياق, هناك حاجة إلى أسلوب مرن أكثر براغماتيا – لا يعتمد على الحكومات, ولكن على وكالات الأنباء أو على خبراء مستقلين مثل العقيد بريتون غوردون, وعلى شبكات شجاعة من الأطباء ومتطوعين آخرين يعملون من داخل سوريا؛ وعلى تعاطف مواطني بريطانيا ودول أخرى.
وفرت هذه الصحيفة أدلة دامغة تتعلق بحجم المشكلة. ولكن ما هو مطلوب الآن هو المساعدة العملية بالسرعة الممكنة. علينا أن نكثف من الجهود لإخبار العاملين في الميدان سواء أكانوا مختصين أو متطوعين بالخطوات الدقيقة – بعضها بسيطة جدا- التي يمكن أن يتخذوها لحماية المدنيين من الكلور, وذلك من أجل ردع استخدامها والتقليل منها قدر الإمكان. علينا تقديم التمويل والدعم والرقابة والتوثيق للمعدات التي يمكن أن تقدم المزيد من المساعدة لبث الطمأنينة في المناطق التي تعرضت لمثل هذه الهجمات.
للحد من آثار قنابل الكلور للحد التي يصبح استخدامها غير مجد, يقدر أننا بحاجة إلى 5000 قناع كيماوي, و 50 وحدة رصد جوي ( لوضعها في المستشفيات والعيادات لتنبيه الموظفين هناك حول وجود مواد كيماوية قريبة), وتقديم مجموعات إزالة التلوث الكيماوي والقيام بتدريب الموظفين على استخدام هذه المعدات بصورة صحيحة وسريعة. التكلفة الإجمالية لهذا هي مليون جنيه إسترليني – وهذا ثمن زهيد لقاء نتيجة مرغوبة يمكن تحقيقها.
استخدام الأسلحة الكيماوية واحد من أكثر الفصول رعبا في الكارثة الإنسانية والسياسية والدينية طويلة الأمد في الحرب الأهلية السورية. عدد قليل من المآسي خلق شعورا باليأس والطريق المسدودة في المجتمع الدولي كما هو عليه الحال في سوريا. ولكن هذا البرنامج – الذي يجري الإعداد له بينما أكتب هذا المقال- يعتبر أحد الطرق الهامة التي يمكن من خلاله إنقاذ وتحسين حياة الناس العاديين الذين هم ضحايا البشاعات التي ترتكب في هذه الحرب