منذ بداية الثورة السلميّة في سورية، والكلُّ يتطلع إلى طريق الحريّة، ويعلمُ ما فيه من صعوبات جمّة، فمنذ انتقال الأحداث في سورية إلى المواجهات المسلّحة، كان المدنيّون يعيشون في حالة عجز شبه تامّ، في مواجهة العنف المتصاعد من آلة النظام التدميرية، والتي لم توفّر نوعاً من الأسلحة، إلا واستخدمت ضدّ الشعب الأعزل.
هنا، كان لا بدّ لبعضهم أن يُبادروا إلى تشكيل فرق في المناطق المحرّرة، تعمل على حماية المدنيين وتساعدهم في الانتقال إلى أماكن أكثر أماناً، وانتشال الضحايا ورفع الأنقاض.
كانت البداية متواضعة، فالاهتمام كان موجّها لعمليات إخلاء الأبنية وإطفاء الحرائق بواسطة وسائل بسيطة، إضافة إلى قلّة خبرة المتطوعين في هذه الفرق.
وكما الثورة تكبُر وتمضي في طريق الحريّة، عملت هذه الفرق بكل جهد وصبر بما تملكه من إمكانات للتخفيف من وطأة الحرب، فعملت على توحيد جهودها وصهرها في بوتقة عمل واحد، أطلق عليه اسم “الدفاع المدنيّ السوري” الذي تأسس عام 2012، بهدف إنقاذ الجرحى المدنيين، جرّاء تعرضهم للقصف الجوي والمدفعي في مناطق المعارضة، إضافة إلى أعمال أخرى، مثل تشكيل فرق تعمل أثناء المعارك التي تحدث، بعضها متخصص بمعالجة أعطال المياه والكهرباء، وأخرى بتنظيف الطرقات من الردم الناتج عن القصف اليومي على المنطقة المستهدفة.
بعد أن انتشرت فكرة الدفاع المدني في المناطق السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة، أصبح مؤسسة منظمة إدارياً في عام 2013، لها 88 مركزاً في ثماني محافظات سورية، وتضم ما يزيد عن 2800 متطوع، كان شعارهم الذي يتغنّون فيه، ويحملونه على أكتافهم، وتؤمن به قلوبهم، هو “ومن أحياها، فكأنما أحيا الناس جميعاً”.
بدأ الدفاع المدنيّ بصعوبات عديدة، منها افتقاره للآليات الثقيلة والنوعية التي تتطلبها مهامه في المناطق المحرّرة، ونقص التمويل المقدّم لهم، إضافة إلى قلّة خبرة عناصر عديدة للخبرات العملية في هذا المجال.
تمثلت المشكلة الأكبر في استهداف عناصر الدفاع المدني من النظام السوري، فكان لابد من إيجاد الحلول السريعة لمواجهة هذه الصعوبات بالإمكانات المتوفرة لديهم، فكانت الدورات التدريبية للعناصر في تركيا والأردن، كفيلة برفع المستوى الثقافي والعملي في مواجهة الأخطار التي تواجههم في مناطق عملهم.
ومن جهة أخرى، طالب الدفاع المدني المنظمات الدولية والأمم المتحدة تقديم الدعم الماديّ اللازم لتغطية تكاليف الأعمال التي يقوم بها، وعلى الرغم من استجابة بعض المنظمات، إلا أن الدعم بقيَ أقل من المتوقع، إلا أنّ الخبرات الأكاديمية التي يتمتع بها عناصر الدفاع المدنيّ ساعد في الاستفادة، بشكل كبير، من الإمكانات المتوفرة وتسخيرها بما يتوافق مع متطلبات المرحلة.
أصبح وجود أصحاب “القبعات البيضاء” في منقطةٍ معينة مصدراً للشعور بالأمان والاطمئنان في قلوب سكان تلك المنطقة، فهم يعلمون أنّ هؤلاء موجودون لحمايتهم من كل خطر.
تعتبر تجربة “الدفاع المدنيّ” نموذجاً يُحتذى به، لاكتسابه مميّزاتٍ عديدة، لم تكن موجودة لدى أي منظمة، تُعنى بالوضع السوري، وهذه الميّزات يمكن أن نختزلها بثلاث نقاط:
-يعتبر الدفاع المدني، منظمة مستقلة بإداراتها وقراراتها، بعيدة عن أي تبعية لدول أو لقرارات سياسية، فالمهم لديها إنقاذ المدنيين وحمايتهم.
-الإخلاص في العمل، وهذا ما يتفّق عليه جميع المدنيين كباراً وصغاراً، من خلال العمل الدؤوب، على الرغم من ضعف الإمكانات المقدمة لهم.
-الكفاءات العلمية، يُعتبر الدفاع المدنيّ، من أكثر المنظمات احتواء على كفاءاتٍ علمية يحملها عناصره، وهذا ما ساعد في تسليط الضوء على أعمال هذه المنظمة، وجذب المنظمات والدول إلى دعم الجهود التي تقوم بها في المناطق المحرّرة.
العربي الجديد