الطيب أردوغان، ما لنا نرى خطوطك الحمراء تتبعثر وتتبدد على خريطة الجغرافية السورية، وتُداس بأقدام ميليشيا الأسد تارة وجماعات صالح مسلم تارة أخرى، وتتحول إلى كلام في الهواء أوسحابة صيف قد تظلل لكنها دوما لا تمطر.
الطيب أردوغان، الشعب التركي العظيم. لا يغفلها إلا ناكر جَاحِد لِلْمَعْرُوفِ مواقفكم الطيبة ومشاعركم الجياشة تجاه الشعب السوري وثورته العظيمة التي ستغير مسار المنطقة بعد انتصارها إن شاء الله، نقول لكم شُكراً لا انقضاءَ له على استضافة ملايين السوريين من أشقائكم المستضعفين في الأرض.
منذ بدء الثورة السورية المباركة كانت للحكومة التركية بزعامة الطيب أردوغان مواقف متميزة ومتقدمة لجهة دعم نضال الشعب السوري وتطلعاته إلى الانعتاق من نير عبودية الرئيس الملهم خليفة القائد الخالد ومنظومته التي أحرقت الحرث وأهلكت النسل وما زالت متمسكة بكرسي الحكم كما يتمسك المخرج السوري بسام الملا بسلسلته الموسوعية “باب الحارة” رغم أنه اصبح باهتاً ومدعاة للسخرية في تفاصيل فصوله الثمانية.
وعلى الرغم من هذه المواقف الطيبة لحكومة رئيس الوزراء أردوغان التي استمرت في عهد خليفته السيد داوود أوغلوفي ظلال رئاسة الطيب أردوغان للجمهورية التركية، إلا أن هذا الدعم تحول لظاهرة صوتية تتناقلها وسائل الإعلام يومًا أوبعض يوم ثم لا تلبث أن تختفي، ولم يرتقِ هذا الدعم لطموحات الشعب السوري في “الحزم “، ولم يزل هذا الدعم الإعلامي والإغاثي مستمر، ترتفع وتيرته الخطابية السياسية دون إجراءات على أرض الواقع تدعم الأقوال الأفعال.
السيد أردوغان، إن الخطب العصماء على المنابر وفي أروقة المنتديات لا تعيد الحق المغتصبَ، ولوكان الشعر والصراخ بصوت عالٍ ينفع أحداً لكان نفع “المتنبي” الذي باتت كلماته أمثال تتناقلها الأجيال، إلا أن لم تسعفه بلاغته ولا سحر بيانه، طول حياته بأن يكون حاكماً لقرية صغيرة في منطقة نائية.
أتفهم ويتفهم الجميع حقيقة الضغوطات وحجم المؤامرات التي يحيكها الحائكون، ومن حالفهم من فقاعات الشعوبيين الانفصاليين، ضد الجمهورية التركية، الهادفة لكبح جماح حكومة العدالة والتنمية ويقعدون لها على كل صعيد ويناهضونها في كل مستوى، خاصة في مجال المشاريع العملاقة والتنمية المستدامة، وعرقلة خطواتكم الرامية لأن تصبح تركيا واحدة من أكبر عشرة اقتصادات العالم.
إلا أن الوقت يمضي مسرعاً ويتسرب من بين يدي حكومتكم العتيدة، كما تسرّب الغرابيلُ الماءَ، والسبب تردد حكومتكم وعدم قيامها باتخاذ قرار حازم رداً على تلكؤ المجتمع الدولي في نصرة الشعب السوري، ووضع حداً لشلال الدماء المهرقة بمئات الآلاف في طول سوريا وعرضها، وعدم تمسككم الصلب بخطوطكم الحمراء الكثيرة المتراكمة دون فعل جدي ومصالح تركيا القومية مهددة اليوم كما مهدد الشعب السوري وسوريا كلها وتركيا لن تكون بمنأى عما يحدث في سوريا شئنا أم أبينا، وفي كثير من الأمور العالقة التي تحتاج سرعة التحرك وفرض سياسة الأمر الواقع، وعدم انتظار أفعال الآخرين ليكون للترك ردة فعل لحظية لا تثمن ولا تغني من جوع، حتى تطاول على تركيا من لا يستطع الدفع عن نفسه “حماية الشعب الكردي”.
يطرح المراقب للمشهد التركي المختلط بشلال دماء السوريين المهراقة جنوب تركيا، فإلى متى هذا التردود، فهل تراهنون على انتهاء ولاية أوباما؟، لا تمعن التفكير وتطيل النظر فلا تراهن على ذلك ياعزيزي كلهم شركاء، والوقت يسير لصالح العصابات الكُردية، المدعومة أمريكياً وغربياً ومن كل قوى الشر العالمية والمحلية لتكون خنجراً مسموماً في خاصرتكم وخاصرتنا السورية، هاهي ميليشيا الشعوبيين الانفصاليين ممن ينتسبون للكُرد. تدوس آخر خطوطكم الحمراء غير عابئةُ بضجيج تصعيدكم الخطابي الذي تحول لصراخ في غرفة مغلقة.
أتفهم ويتفهم الجميع أن يكون شخص في موقع القيادة وأن يكون مصير ومستقبل شعب متوقف على قرار قد يغير مسيرته وربما مستقبله، ونتفهم بعمق كل الضغوطات والاعتبارات المترتبة على تدخلكم المباشر في سوريا، ولكن ما لا أستطيع تفهمه ولا أتمكن من هضمه أنكم مازلتم تثقون بوعد الأمريكي ومن خلفه الغرب الأوروبي الذين خذلوكم في كل موقع وتخلوا عنكم في كل نزال ومنذ ثلاثين عاما يلعبون معكم لعبة العصا والجزرة.
ورغم ما قدمتموه لهم من قرابين الوعود الديمقراطية وحقوق الإنسان مازالوا يرفضون تقبلكم في الاتحاد الأوروبي، ولن يقبلوكم مهما قدمتم من تنازلات، ولن يقبلوا باضافة أكثر من ستين مليون مشرقي مسلم إلى أوروبا، وتحملتم عنهم بكل صبر سيل اللاجئين الجامح الذي كاد يطيح بالاتحاد الأوروبي، ولم يفوا لكم بأي عهد للحكومة التركية العتيدة.
هل سيأتي يوم تضربون به كفا على كف وتبكون الفرص الضائعة التي كان من شأنها تخفيض الخسائر على أقل تقدير، ولا نقول حفظ الدماء لأننا نؤمن بأن الأعمار بيد الله.
نحن هنا ومن خلال سطور هذا المقال، لا ندعوكم لخوض حرب بالنيابة عن الشعب السوري، ولا ندعوكم للاصطدام مع الروس، وما يعني ذلك من خراب ودمار يحل بكم لا قدر الله.
لكن اللا سلم واللا حرب هذه ليست في صالح الجمهورية التركية، ولا تصب في صالح دعم الشعب السوري وثورته الماجدة، أعتقد وبكل حزم أنه آن الأوان كي تعملوا بالمثل المصري القائل “اقطع عرق وسيح دم”، ويكفي استنزاف الطاقات وهدر الوقت في أحاديث السياسة التي لن تقدم شيئًا.
هاهي جماعة صالح مسلم “حماية الشعب ” تشق طريقها نحودولتها “المزعومة” لا تلفت لكل ما تقولونه أوتدلون به من تصريحات ويفرضون سياسة الأمر الواقع، وعبروا الفرات وأعينهم ترقب وصل الحسكة ب”عفرين” ما بعد غرب الفرات وقلوبهم تنشد إلى الساحل السوري، وبالتالي فإن تحقيق ما تم تسريبه عن مخطط أمريكي لنقل نفط شمال العراق وربما إيران عبر الاقليم “الكُردي” المزعوم الأمر الذي من شأنه ضرب مصالحكم الاستراتيجية وفصل بلاد الترك عن العرب وليصبح هذا الأقليم “إسرائيل “جديدة لكن ليس في فلسطين من أرض الشام، بل جنوب تركيا ليتنامى معه الشعور القومي الخافت عند بعض الأخوة الكًرد الذين مازلوا يحتفظون في ذاكرتهم ووجدانهم بشيء من الانتماء لأوطانهم الحالية.
دوما هناك وسائل سرية يمكنكم استخدامها لتقديم ما نحتاجه لايقاف المقتلة السورية وحماية سوريا وتركيا من مستقبل لا نحسد عليه بل سيكون دمارا شاملا لنا جميعا.
لتبقى نظرية “ابوتمام” حقيقة. لمن كان له قلب يبصر به الحقائق.
السيف أصدق أنباءً من الكتب
في حده الحد بين الجد واللعب
بيض الصفائح لا سود الصحائف في
متونهن جلاء الشك والريب
سطور هذا المقال لا تعني بحال من الأحوال الانتقاص من قدر أحد، ولا جلدا للذات أوبكاء على اللبن المسكوب، بل الحديث بصوت مرتفع بما يتداوله الكثير من الناس في مجالسهم ومنتدياتهم.
القدس العربي