في التاسع والعشرين من مارس/ آذار الماضي أعلن رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدرم، انتهاء عملية “درع الفرات” في شمال سوريا، لكنه اقترح أن تطلق البلاد حملات أخرى عبر الحدود في المستقبل. وهو ما يطرح سؤالا عن خطة تركيا القادمة في سوريا.
وفي هذا الصدد رأى محللون أتراك أن إعلان يلدرم لم يكن مفاجئا؛ لأنه جاء بعد أن وصلت العملية إلى حدودها الطبيعية، وأكدوا أنهم لا يتوقعون أن تغادر تركيا المنطقة في أي وقت قريب.
وقال أتيللا يشيلادا، المحلل السياسي في معهد جلوبال سورس بارتنرز، لموقع الجزيرة الإنجليزي إن إعلان يلدرم كان مجرد اعتراف بالوضع على الأرض، مضيفا أنه ليس أمام تركيا في الوقت الراهن مجال كبير للمناورة في شمال سوريا سواء من الناحية الدبلوماسية أو العسكرية.
وقال متين غورجان المحلل الأمني التركي والباحث في مركز إسطنبول للسياسات في جامعة سابانجي: “إن عملية درع الفرات انتهت من الناحية العملية قبل نحو شهر، عندما أصبحت منطقة نفوذ تركيا في سوريا – المثلث بين جرابلس والراعي والباب – محاطة بالمارينز الأمريكيين من الشرق، والجنود الروس من الغرب، وقوات النظام السوري من الجنوب”.
في مطلع مارس/ آذار نشرت الولايات المتحدة قوة صغيرة في ضواحي مدينة منبج، شرقي مدينة الباب، فيما أطلق عليه البنتاغون مهمة “طمأنة وردع”. هذا التطور، وفقا لغورجان، وضع حدا لخطط تركيا لتطهير هذه المدينة السورية الاستراتيجية من القوات الكردية، وتوسيع نفوذها نحو الشرق. وأضاف “عندما أعلنت روسيا إنشاء قاعدة عسكرية في عفرين لتدريب القوات الكردية، أدركت أنقرة أنها لا تستطيع التحرك غربا”.
وبحسب محللين فإن تحالف المعاملات غير الناجح لتركيا مع هذه القوى العالمية رسم تاريخ انتهاء عملية درع الفرات. وقال المحلل يشيلادا إن الحكومة التركية شكلت تحالفات مع كل من روسيا والولايات المتحدة، لكنها أخفقت فى سحب أى من الطرفين تماما الى جانبها فى سوريا.
وتقوم كل من الولايات المتحدة وروسيا بتعميق علاقاتهما مع وحدات حماية الشعب الكردية السورية وحلفائها العرب الذين يعملون تحت مظلة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”. وتعتقد أنقرة أنهما يفعلان ذلك على حساب تركيا، وتقول إن وحدات حماية الشعب مرتبطة مباشرة بحزب العمال الكردستاني، وهي جماعة إرهابية مسلحة تخوض قتالا دمويا ضد الحكومة التركية منذ أربعة عقود.
وقال يشيلادا: “أصبحت تركيا الآن في وضع يتحكم فيه الروس غرب نهر الفرات وتسيطر الولايات المتحدة على الشرق، ولا يبدو أن أيا من الطرفين يدعم احتياجات تركيا ومصالحها في المنطقة. وأضاف أن العملية وصلت ببساطة الى حدودها الطبيعية، فقد أدركت تركيا أنها لن تتمكن من تحقيق أي شيء أكثر في تلك المنطقة دون اشتباك مع الولايات المتحدة أو روسيا أو النظام السوري، لكن هذا لا يعني أن تركيا مستعدة لمغادرة سوريا تماما، مشيرا إلى أن تركيا لا تملك رفاهية القول إنها أنهت مهمتها في سوريا”.
ويرى المحللون أن تركيا تقف الآن على مفترق الطرق، وتحتاج إلى أن تقرر ما إذا كانت ستُبقي قواتها فى شمالى سوريا. وقال غورجان إن الحكومة التركية لم توضح ذلك بعد، ولكن لدينا كل الدلائل التي تدفعنا إلى الاعتقاد بأن تركيا مصممة على البقاء فى سوريا حتى بعد انتهاء درع الفرات.
وأضاف في الوقت الذي تنتظر فيه تركيا فرصة للقيام بعملية ثانية عبر الحدود، فإنها ستبدأ الآن جهود إعادة الإعمار بعد انتهاء القتال فى المدن التي استولت عليها من داعش.
ومنذ سبتمبر/ أيلول 2016، بدأت تركيا ترسل اللاجئين السوريين إلى جرابلس وغيرها من المدن التي سيطرت عليها. وقال المحللون إن أنقرة تعتزم إرسال ما لا يقل عن 10 آلاف لاجىء يقيمون حاليا فى بلدة كيليس التركية إلى مسقط رأسهم فى شمال سوريا بحلول مايو/ آيار من هذا العام.
وقال غورجان إن تركيا تريد إعادة هؤلاء اللاجئين إلى مدنهم لا لأسباب إنسانية، فحسب، بل لتعزيز نفوذها فى المنطقة، من خلال توفير الدعم والحماية لهؤلاء العائدين، لكن هذا يتوقف على ما تعتزم روسيا القيام به تجاه مدينة إدلب.
ومن المتوقع ان توجه روسيا وحلفاؤها فى المستقبل القريب انتباهها تماما إلى إدلب آخر المحافظات التي تسيطر عليها المعارضة المسلحة في سوريا، وفقا لما ذكره محللون.
وقال غورجان: إذا قررت روسيا شن هجوم على إدلب، فإنها ستحتاج الى تحديد منطقة جديدة لنقل المقاتلين وأسرهم إليها بعد انتهاء المعركة، وقد يسمح بوتين لهؤلاء بالانتقال إلى المنطقة الخاضعة لسيطرة تركيا بين جرابلس والباب والراعي.
ترك برس