بينما كانت إيمان وأختها تتسوقان في سوق الحي الذي تقيم فيه أختها وزوجها وإذ بصوت دوي انفجار اهتزت الأرض لهوله، ثم ساد هرج ومرج بين المارة، مفاده أن سيارة “قد انفجرت عند حاجز للنظام قريب من الحي وهو المخرج الوحيد لأهل الحي للخروج منه إلى باقي أحياء المدينة.
لم تلقِ إيمان وأختها بالا “لما جرى فبعد أن انتهيتا من شراء بعض الحاجيات للبيت، قادت إيمان السيارة وسلكتا إحدى الطرق الفرعية بعد أن قام مجموعة من الشباب في الحي الذي تسيطر عليه المعارضة بقطع الطريق الرئيسي المؤدي إلى خارج الحي وطلبوا من الجميع عدم مغادرة الحي لانفجار سيارة عند حاجز للنظام قريب من الحي..
لم تكن إيمان وأختها تعلم نتيجة هذه المجازفة التي قامت بها لقد سلكت هذا الطريق والذي يمكن أن تكون نهايته اللاعودة. استطاعت إيمان قطع هذا الطريق الملتوي والوصول إلى الشارع الرئيسي والذي يوجد في نهايته حاجزاً للنظام كان الشارع خالياً من السيارات وكان الصمت المطبق يخيم على المكان وكأنه الهدوء الذي يسبق العاصفة، وكانت أعمدة الدخان تتصاعد في نهاية الشارع حيث انفجرت السيارة المفخخة.. لم تكن إيمان تعلم أن عدد الأشخاص الذين تم احتجازهم لدى مغادرتهم الحي عن طريق هذا الحاجز وخلال شهر واحد ووفق إحصائية بلغ 300 شخص، بينهم نساء وأطفال وشيوخ وكان عمر أصغر المعتقلين سنا12 عاماً وأكبرهم سنا 85 عاماً.
وصلت إيمان وأختها إلى الحاجز حيث استقبلهم مجموعة من الشبيحة والشرر يتطاير من أعينهم وكأنهم غنموا غنيمة اقترب أحدهم منها، وطلب منها أن تركن السيارة على اليمين نفذت إيمان ما طلبه منها وهي تنظر إلى أختها نظرات بائسة، وكأنها تقول لها لقد ضعنا لقد وصلنا الى خط اللارجعة.. وستصبح قصتنا مثل قصص باقي الأشخاص الذين كان مصيرهم مجهولاً لا يعلم به إلا الله سبحانه وتعالى.
اقترب كبير (الشبيحة) من نافذة السيارة وبصراخ عالٍ طلب منها أن تفتح صندوق السيارة الخلفي، لم تتمالك إيمان نفسها اغرورقت عيناها بالدموع باكية وهي تقول ( يا ربي يا ربي يا ربي) وكأن خيوط العون والنجاة قد انقطعت إلا منه واختها تتمتم بآيات قرآنية نظرت كل منهما إلى الأخرى كأنهما تنتظران معجزة إلهية” توقظهما من هذا الحلم المزعج الذي لا يبدو له نهاية قطع صوت بكائها صوت شبيح آخر طلب من زميله قائلاً ( نزل لها الدواليب ) بينما كان كبير الشبيحة يفتش في الصندوق عله يجد أسلحة” أو مضادات للطيران.. أمسك بكيس اللحم الذي اشترته إيمان قائلاً: (سوف تأخذون لهم اللحم؟) لم تكن تعلم ماذا يقصد بكلامه فقد اشترت اللحم للبيت.
وبصوت يغلب عليه اللئم والحقد وكأنهما هما من فجرتا السيارة وعندها أغلق صندوق السيارة وقفل راجعا “الى الامام” وطلب تفتيش الجزادين وطلب الهويات أخذت أحلام أخت إيمان جزدانها وفتحته قائلة – وهي تريه محتوياته -: انظر لا يوجد شيء.. أعطته أحلام الهوية وقامت إيمان بإعطائه كل الهويات التي كانت تحملها الهوية الشخصية وهوية نقابة المهندسين العضوة فيها وهوية تحمل اسم المؤسسة التي تعمل فيها، وبطاقة دخول إلى إحدى الشركات الخاصة التي تم فرزها إليها لتتولى الإشراف عليها وكانت هذه الشركة محسوبة على النظام وكانت تقول له وهي تسلمه الهويات (إنني أعمل مهندسة في شركة.. وفلان مديري ).. أخذ الشبيح الهويات وانزوى هو ورفاقه الشبيحة بعيداً وكأن الكلمات التي سمعوها من إيمان بحاجة لاجتماع طارئ..
بعد اجتماع دام دقائق اقترب شبيح من إيمان قائلاً سوف يعطونك الهويات واقترب آخر وطلب منها أن تستدير بالسيارة إلى الجهة التي جاءت منها، استدارت إيمان بالسيارة وهي تقول ( والهويات ؟ ) أقبل كبير الشبيحة باتجاهها قائلا لها أن ترجع من حيث أتت و سلمها الهويات وطلب منها أن تخبر سكان الحي أن لا خروج لهم من الحي من هذا الطريق وأنهم سوف يحتجزون داخل حيهم يمنع عليهم مغادرة الحي.
أمسكت إيمان بالهويات وأطلقت لسيارتها العنان باتجاه الحي وكان وابلا “من الرصاص يطلق خلفها فما كان منها إلا أن سلكت طريقاً فرعيا/ ترابيا وأوقفت السيارة وأخذت تتنفس وأختها الصعداء واقتربتا من بعضهما وضمتا بعضها وهما تبكيان ونزلتا من السيارة وسجدتا، سجدتا شكرا لله تعالى على حفظه وحمايته لهما من براثن ذئاب بشرية لا توفر أحدا (لتنهش بلحمه) ولولا العناية الإلهية التي رافقتهما في هذه المحنة على هذه الحواجز لكان حالهما حال العديد من الأشخاص الذين ذهبت بهم هذه الحواجز إلى رحلة اللاعودة.
م.تغريد صبحي – المركز الصحفي السوري