“دلال” الفتاة السورية المدللة اسم على مسمى, البنت الصغرى لعائلتها والأقرب إلى قلب والديها, نشأت في بيئة محافظة تعطي للفتاة الكثير من الحقوق ولكن عليها الالتزام بالكثير من الواجبات, ما جعلها تفكر دائما بالاغتراب للحصول على حياة منفتحة توافق ما بداخلها من تطلعات.
تزوجت منذ سبع سنوات من أحد أقربائها المغتربين وهي الأن تقيم معه في بافوس بقبرص, لديها طفلان “بنت وصبي”.
خلال سبع السنوات الماضية لم تستطع “دلال” التأقلم مع المكان, عادات اجتماعية ولغة مختلفتان, أمكنة لا تمثل لها شيئا حتى إنها لا تستطيع أن تأخذ لها قدرا بسيطا من الذاكرة.
تقول “دلال” أنا كباقي النساء اللواتي تركن بلادهن والأهم من هذا وذاك أهلهن, كنت أظن أن سأعيش في بلاد الغرب تلك الحياة التي لطالما حلمت بها مع زوجي منذ زمن, بلد متقدم حياة ملؤها الرفاهية, ربما أكون قد حصلت على الرفاهية المادية أما نفسيا فأنا محبطة.
نعم النساء اللواتي تزوجن خارج بلادهن يعانين من الحنين, الذي زادت مستوياته بسبب الحرب, حرب منعتهم حتى من مجرد التفكير.
أرادت “دلال” أن تتخلص من مشاعر الشوق التي تداهما بين وقت وآخر فقررت أن تعمل, اقترح عليها زوجها “خالد” أن يفتح لها دكانا لبيع الأزهار، لم تفكر بالأمر كثيرا كان همها أن تلجم ما بها من هواجس وتعطي نفسها فرصة لترى ما حولها بنظرة مختلفة.
رغم العوائق التي اعترضت طريقها في بداية الأمر إلا أنها لم تيأس, فمسألة العناية بأطفالها والعمل في آن واحد كان على حد قولها “كمن يحمل بطيختين في يد واحدة وأخاف عليهما أن تكسرا” .
تستيقظ باكرا كل صباح تقوم بكامل واجباتها تجاه زوجها وطفليها الصغيرين, تنجز جميع أعمالها المنزلية وتهم بالانطلاق, تركب سيارتها مع طفليها لتسلك طريقا مختصرا لروضة ابنها “ورد” تودع ابنها بعد أن تبعث له بقبلات طائرة تحط كعصافير على خديه الصغيرتين وترمقه بنظرة من الحب لتنعطف إلى محل الأزهار.
في لحظة وصولها تشرع الأبواب الزجاجية لدخول الهواء وتتجه مباشرة إلى المشتل الصغير” الدفيئة” خلف المحل, تقوم بسقاية جميع النباتات الموجودة فيه وتقوم بفحصها أيضا وتنزع الأوراق اليابسة منها, أما عن الأمراض الموجودة فيها فهي لم تصل إلى الخبرة التي تجعلها تميز ما بها من مرض, لذلك تقوم بأخذ عينة من النبتة المريضة وعرضها على أقرب صيدلية زراعية ليقوم بإعطائها الدواء المناسب, فتقوم هي بدوها بإكمال تعليمات صيدلي الزراعة ورش النبتة أو سقايتها بالدواء المناسب.
تنهي عملها في المشتل الخلفي لتعود إلى محل الأزهار, هنا تقضي “دلال” يومها مستمتعة بجمال أزهارها المتراقصة مع أشعة الشمس “المخترقة النوافذ الزجاجية”.
تنسى دلال نفسها بجانب طفلتها “حنين” والأزهار محاطة بهم من كل جانب غارقة بأحلامها لتصل إلى ساحة منزلهم القديم في الوطن, يعود بها الزمن إلى الوراء سبع سنوات أو ربما أكثر من ذلك, عندما كانت تتفيأ بظل عريشة في ساحة منزلهم تتسامر مع أخواتها ووالدتها أجمل الأحاديث الصباحية ، و كلما مر نسيم الصباحي تتساقط بضع زهرات من شجرة ياسمين متداخلة مع العريشة على أكواب الشاي الساخن.
بكاء “حنين” يوقظ “دلال” من حلمها, تقف لتتجول بين أزهارها فتأتيها إحدى الزبائن طالبة طاقة من الزهور, تنسق لها أزهاراً حسب طلبها وتنصرف الزبونة, يمضي الوقت بسرعة ليحين موعد انصراف “ورد ” من المدرسة تغلق أبواب محلها وتتوجه إلى حيث طفلها.
المركز الصحفي السوري – أسماء العبد