البارحة شفت الوطن بالطيف إجاني البارحة..
قلت له هلا وميت هلا يابو الخيول الجامحة..
مديت ايدّي تسلمه شفت القلب قبل كفوفي يصافحه..
شلونك قلت يا موطني وظنوني كانت سارحة..
وانقطع وسطي من الخجل من الخجل وعيوني ظلت شابحه..
قال اطمئن يا ولدي كفتنا هي الراجحة..
قلت له اللي يرد يا موطني الحضنك الدافي تسامحه.. ؟؟
قال اللي يرد وال ما يرد وحتى اللي يفكر بالوطن اذنوبه كلهن طايحة..
بس اللي يخون ميته ما يستحق نقرأ على روحه الفاتحة..
قلت له بعد عندي حكي يا موطني بغزر الدموع المالحة..
قال احكي قل إيش ما قلت طبع الوطن مثل الأبو واجب عليك تصارحة..
قلت له يُبا يا موطني ليش أنت من دون الدول صاحت عليك الصايحة.. ؟؟
وليش أنت من دون الدول أطفالك الحلوين بالدم سابحة..؟؟
وليش أنت من دون الدول بكل بيت عندك نايحه..؟؟
وليش أنت من دون الدول ناسك تصّبح نازحة..؟؟
وليش أنت من دون الدول جيرانه كلهة تواقحه..؟؟
وليش أنت من دون الدول ياثور بالعالم قوي تركض عليه و تناطحه .. ؟؟؟
دقولي من هو اللي خبرك يابو العقول الراجحة..
شفته ابتسم لما حكى وجاوب إجابة واضحة..
قال اعتقد يا ولدي المشكلة مو بالوطن المشكلة بالحجاج هو الذابحة..
يبقى الوطن هو الأصل والناس هي الرايحة..
كفكف دموعك يا ولد أدري بغريب الدار الشوق هو الجارحة..
وأدري بغريب الدار كل ما يعتلي ويش ما صعد ويش ما كسب خسرانه كل مرابحه..
حتى الطيور الها وطن تهاجر لجل لما يهزها الشوق ترجع طافحه..
وحتى النخيل لها وطن ما تنشتل إلا بأرضنا المالحة..
بس إحنا نبقى باي وقت يا موطني نحلم وطنا نصابحه..
والبارحة شفت الوطن بالطيف جاءني البارحة
القصيدة في تصوير حوار مباشر بين الشاعر المعبر عن كل ذات عربية منهزمة.
المحور الإرتكازي الأساسي الذي قام عليه النص هو المأساة الحقيقية التي يمر بها الشاعر عبر ما يمر به وطنه، وحنينه إليه.
في هذه القصيدة للشاعر عباس نلاحظ العلاقة الجدلية بين صوت السلطة والشعب، إذ ظهر فيها صوت السلطة المقنع بقناع الوطن هذه السلطة الطاغية التي تأبى الانهزام وتماهى صوتهما معاً..
كما نلاحظ الضعف في صوت الشعب الذي اكتفى بالسماع لهذا الآخر والتهليل له والتمجيد بماضيه من دون تفكير..
وفي الثانية نلاحظ أيضا التصاعد في الدفقة الشعورية لصوت الشعب الذي بدأ يشعر بالوعي وبالتالي يتساءل عن اللا منطقية التي قادت وطنه إلى هذا الوضع المتدني وهنا نلاحظ انفصال صوت السلطة وبروز صوت الوطن الذي بدا بشكل واقعي، منفصل تماماً عن الحاكم وراح يجيب في الحلم (فقط ) إجابات تقنع صوت الشعب المنهك من الهزائم وتحاكي الواقع بصورة حقيقية لكن في نفس الوقت تقدم له بقايا ذكريات تلامس صور الحنين للموطن وتمنعه من الانفصال عنه..
والشاعر هنا هو الحالم الذي يهرب من الواقع المبتذل الذي يؤلمه ويقلقه في وطنه، فيعيش في حالة من الاغتراب النفسي والزماني والمكاني، تتجلى بتقديمه لتساؤلات لا يجد الإجابة عنها في واقعه، وإنما يصل إليها عبر أبيه الوطن في عالم الحلم ، فتأتي الإجابات من الأب لابنه واضحة، واثقة مطمئنة، ثم ما يلبث الابن أن يعود – مجبرا- لواقعه “الصادم” من جديد ، راغبا بجر الحلم إلى الواقع، ما عاشه العراق في تلك الأوقات تشهده بلدنا سوريا، أصبح الوطن حلما ينشده الجميع في مخيلتهم.
مجلة الحدث- نور سالم