” ألم تعديني يا أمي بأن تأخذيني إلى بيت أجمل من بيتنا؟ ألم تعديني بحياة أفضل من حياتنا في سوريا؟ وألعابا وملابس جديدة؟ ومدرسة أجمل من مدرستي التي دمرالقصف سورها؟ لماذا لم تفي بوعدك لي؟”.
بكلماته البريئة ونظراته المحبطة والممزوجة بالغضب عبر كرم ذو الست سنوات عن حزنه بعد أن غادر مدينته ادلب في مطلع شهر مارس من العام الحالي، ليتجه ووالدته بحثا عن حياة أفضل تؤمن لهما عيشا كريما بعيدا عن براميل الموت والخوف من سياسة الحصار التي تفرضها قوات النظام على المناطق الخارجة عن سيطرته.
عدة محاولات قامت بها أم كرم لعبور حدود تركيا نجحت آخرها بعد أن دفعت 1400 دولار عنها وعن ابنها للمهرب وذلك بسبب إغلاق تركيا لمعابرها الحدودية مع سورية، وهنا بدأت رحلة معاناتها برفقة صغيرها الذي تكفلت بتربيته بعد استشهاد زوجها في المجزرة التي قام بها الطيران الروسي في مبنى المحكمة الشرعية في مدينة ادلب، فكانت له الأم والأب والمعيل .
بعد عناء طويل كانت الجزر اليونانية الوجهة المرتقبة أمامها في مسيرة اللجوء، تقول:” عندما أخبرنا المهرب ونحن على متن “البلم” أنه يجب علينا السباحة للوصول للشاطئ، اعتصر قلبي ندما وشعرت بأنني ألقي بنفسي وبطفلي للهلاك، فاحتضنته بقوة وتمالكت نفسي، إيماني بالله أعطاني صبرا وجبروتا كي أقاوم أمواج البحر وأصل لشط الأمان”.
اعتقدت أم كرم أن عناءها وتعبها سيتلاشى ماإن قطعت بحر إيجة، إلا أنها لم تكن تعلم أن ما هو أعظم بانتظارها، فقد أغلقت مقدونيا مؤخرا حدودها بوجه جميع اللاجئين الوافدين إليها سواء كانوا سوريين أو من بلدان أخرى، وذلك بقصد تخفيف الضغط عن الدول الأوروبية التي لم تعد تستوعب أعدادا إضافية منهم، ومما فاقم الوضع سوءا الاتفاق الأوروبي التركي على مبدأ “واحد بواحد”، والذي يقتضي بتعهد الحكومة اليونانية بإعادة اللاجئين الوافدين إليها بطرق غير شرعية وتقوم تركيا بالمقابل بإرسال لاجئ أو مايسمى لم الشمل بعد أن يدرس طلب لجوئه، مقابل كل لاجئ تتم إعادته.
لم تتخيل أم كرم ولو للحظة أنها ستقبع خلف أسلاك شائكة تم وضعها للحد من تدفق اللاجئين على الحدود، وأن المنزل الفاخر الذي وعدت صغيرها به سيكون مجرد خيمة يقتلعها الهواء بنسمة، تنظر حولها ومشاعر الندم لاتفارق مخيلتها، فكم من أطفال نخر البرد أجسادهم النحيلة، وذويهم لايسعهم سوى انتظار قرار بفتح الحدود لتفرج معاناتهم، إلا أن القرارات الصادرة جميعها لاتبشر بخير، ومع ذلك أعدادهم مازالت بازدياد.
” ماما بكونوا هلأ رفقاتي بالمدرسة عبياخدوا درس، وأنا قاعد هون لافيني ألعب ولاعندي رفقات، ياريتنا ياماما بقينا ببيتنا وماطلعنا تعالي نرجع، بيتنا أحلى من قصورهم “.
أرادت أن تحمي طفلها من العيش في بلد يفتقر لأبسط مقومات المعيشة والأمان، إلا أنها فوجئت بواقع مر لايشبه تلك الوعود والإغراءات التي نصحوها بها صديقاتها في بلاد اللجوء، فحالها كحال معظم السوريين الذين غرر بهم ورسموا أحلاما وحياة من الأوهام في أوروبا، فرغم المعاناة والظروف الصعبة التي تمر على السوريين إلا أن كرامتهم لا يمكن أن تحفظ وتصان إلا في أرض الوطن الذي يناديهم “كفاكم هجرة”.
سماح خالد ـ المركز الصحفي السوري