“قصف همجي وحصار خانق، إن صبر عليه أجساد الكبار فلن تصبر عليه أجساد الصغار، وإن نجا منزل اليوم من القصف فقد تكدس ركام منازل أخرى بجانبه من قبل.. نحن نواجه سياسة تهجير ممنهجة..” تلك عبارات الشاب “أنس” (28 عاماً) وهو يستعد مع أمه المسنة للنزوح إلى مدينة إدلب الحاضنة الشعبية للمهجرين.
بعد قصف زادت حدته خلال 38 يوماَ من المعارك جاء قرار التهجير كسلسلة من مسلسل جرت أحداثه، على الساحة السورية التي لا تكاد تنتهي مشاهد العنف فيها، واليوم حلقة تكميلية لتهجير أهالي حزام دمشق إلى إدلب، حلقة في سلسلة فقد يكون هناك حلقات أخرى، وقد تكون أكثر بؤسا من سابقاتها.
أما عن الهدف من وراء ذلك، فبات واضحاً للجميع تصميم النظام ومِن خلفِه مَن خلفَه محاولتهم تطبيق سياسة التغيير الديمغرافي، من شأنه تهجير الأهالي، دمشق حتى بيروت، لتكوين حزام شيعي متطرف لطالما طالبت وحلمت به الميليشيات من حزب الله وداعميه، بالتحديد “الحرس الثوري الإيراني”.
واليوم ومع التغطية الروسية تم تقديمه على طبق من ذهب! وبالتالي تتم عملية تجميع وحصر المجاهدين والثوار وإخراجهم من مناطقهم.. والأهالي معهم أيضاً.
ليظهر السؤال الذي يطرح نفسه هنا بقوة: ماذا تخبّىء الأيام القادمة أو حتى الشهور أمام الامتحان الروسي لتخرج من الأزمة؟
بالطبع ذلك التغيير الديمغرافي تحت مسميات التسويات أو “المصالحة الوطنية” لن ينهي مخاوف كبيرة حول تقسيم سوريا وتقديمها للحلفاء الطامعين، وخاصة بعد إعلانها مشروع الدستور السوري، المتضمن إمكانية استفتاء السوريين على حدود وطنهم.
يعود الشاب المغلوب على أمره “أنس” لمتابعة حمل آخر ما تبقى له من أرضه الغالية على قلبه وبابتسامة الحزن الصفراء، المرسومة على وجه، التفت إلينا شاكياً “ماذا عساي أن أحمل، القليل من مياه بردى؟ المياه التي عشقتها منذ الصغر، أم ذكريات الألم التي حفرت عميقا في القلب مع أول حجارة سقطت من سقف منزلي، حجارة كانت تحمينا وتاوينا فباتت في ظل الأسد تودي بحياة والدي العجوز.. لطالما تمنى أن يدفن في تربة الوادي على أن يغادر منه مكرهاً”.
إجراءات قسرية تطبق في ريف دمشق سواء الغربي أو الشرقي أو في أي مكان آخر من الأراضي السورية.. طالما أن هناك سياسة منوعة/ الكيل بمكيالين، بين التصريحات الهوائية والتطبيق الجائر/ من أمريكا والدول الفاعلة في العالم وغطاء روسي لميليشيات حاقدة ونظام تابع لإيران يسعى على الدوام لإرضاء من يستند عليهم لبقائه على كرسيه المورّث.
تواطؤ المجتمع الدولي بات مكشوفاً ولا يخفى على أحد إزاء ما يحدث في سوريا، أعوام مديدة من الألم أذاقت السوريين ويلات الحرب وبمختلف الألوان دونك عن السياسات القسرية والتحركات العسكرية.
صعد “أنس” حافلة التهجير بعد أن قبّل رأس أمه العجوز، في محاولة منه لإرضائها بالواقع المرير المفروض قائلاً “لم نكن الأوفر حظاً بل كنا آخر سلسلة حزام التهجير لدمشق.. آه كم يعز علينا ترك أعز ما نمك من ذكريات وأماكن لمن كان همه الأكبر أن يحقق حلمه في السيطرة عليها”.
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد