اعتاد السوريون على مشاهدة الدمار وضحايا القصف من الأبرياء، سواء كانوا نساءً أم أطفالاً أم شيوخاً، والنزوح والتشرد بات الحل الوحيد لمن هُدم منزله أمام عينيه جراء قصف النظام وأعوانه الروس لمناطق المعارضة المحررة الخارجة عن سيطرته.
ولكن ما يحدث في حلب من تدمير ومذابح إنسانية فاق الوصف ولجم اللسان عن البوح ومزق الأحشاء من الألم لهول الظلم الذي حل بالبلد لم يسّلم الشجر والحجر والبشر.. حتى في الأحياء القديمة قتل الخيل الذي كان يجر عربة صاحبه الفقير ليسعى وراء رزقه ورزق عياله ..رحماك يا رب ولطفك بأناس لا حول لهم ولا قوة.
في يوم الجمعة 29 من نيسان ارتكب النظام مجزرة كبيرة بسوق للخضار في حلب في منطقة خارجة عن سيطرته، راح ضحيتها عشرات من المدنيين. يقول “رائد” طالب جامعي من مدينة إدلب كان يدرس في جامعة حلب سابقاً (22 عاماً) “قررت التسوق مع رفاقي يوم العطلة وقبل وصولنا للمكان علا صوت الانفجار، وما هي إلا لحظات سمع صوت طائرة الموت معلنة إسقاطها للبراميل المتفجرة، وعلا الصراخ وانتشر الخوف وخيم سواد الدخان المنطقة برمتها..
رحماك يا لله لقد فرّغ النظام حقده الدفين بحق أبناء الوطن العزّل المسالمين، تبدّل الحال مع الأصدقاء من متجولين بهدف شراء السلعة إلى منقذين يجمعون الأشلاء ويبحثون عن ضحايا ومفقودين بين الأنقاض، لا أحد يعلم حجم الألم الذي اختنق في صدري عند رؤيتي لفتاة صغيرة فارقت الحياة وبجانبها قدمها المبتورة وبقايا من لعب بلاستيكية محترقة.. ولسان حالها يقول.. شو ذنبي أنا.. أنا كنت عمبلعب ماني حاملة سلاح أنا حاملة لعبة ”
يكشف صديق رائد قائلاً” ساعدت رجلاً مسناً بالوقوف على قدميه المتعبتين وقد بللت دموعه لحيته البيضاء من شدة البكاء.. لقد فقد ابنه الشاب وحفيدته الصغيرة أمام عينيه وهو يقول.. ما إلنا غيرك يا الله.. رحمتك تسبق غضب ها لنظام، وما هي إلا لحظات سمع صراح رجل في الأربعينيات من العمر يصرخ بصوت عال وهو جالس على ركام منزل كان بالأمس يقطنه.. لن أرحل.. لن أبرح مكاني سأصمد حتى آخر قطرة من دمي.. لن أترك حلب وأتخلى عن ترابها لهل الظالم بشار يلي ما رح ينجا من عقابك يا لله ويلي روحه شبعت شرب من دمنا”
لقد قامت الدنيا ولم تقعد عند حدوث تفجير في فرنسا راح ضحيته 29 مدنيا ولاقت تضامناُ ملحوظاً من قبل العرب: فالإمارات أضاءت الأبراج ثلاثة أيام بألوان العلم الفرنسي وفي حلب قتل 250 شخصا في مدة قصيرة.. لم يجد أهالي حلب تأثر الأخوة بذلك، وقف رائد بجانب أصدقائه مذهولين من هول المشاهد يدمدم “سوريا كلها موجوعة.. بس حلب وحدها مذبوحة، سوريا كلها نفس الشيء.. بس حلب ما عاد فيها شيء، سوريا كلها انجرحت.. بس حلب وحدها نزفت”.
سوريا الجريحة تناديكم اليوم وهي في أشد محنتها، فإحدى بناتها تنزف حتى الموت، وهاهي حلب جلست إلى جانب فلسطين متسائلة، متى سيأتي العرب لإنقاذنا يا خالة؟ أم هي أضغاث آمال والحقيقة في قول نزار: متى يعلنون وفاة العرب:
متى يعلنون وفاة العرب.. اضغط هنا
المركز الصحفي السوري – بيان الأحمد.