ليس كثيرا إذا وصفت موسكو البيانات الأمريكية عن أن باراك أوباما طلب من وكالات الأمن القومي الأمريكي البحث في خيارات لخطة بديلة من الديبلوماسية في سوريا، بأنها تصريحات طائشة وخرقاء، ذلك أن التصعيد الجنوني الذي يمارسه الروس والنظام وحلفاؤه في حلب، الذي أدى إلى ما وصفه مدير العمليات الإنسانية ستيفن أوبراين بأنه أخطر كارثة إنسانية تشهدها سوريا، لن يدفع الإدارة الأمريكية قبل أسابيع قليلة من مغادرتها البيت الأبيض إلى تغيير حقيقي في سياستها التعامي عن المذبحة السورية.
قبل ثلاثة أعوام عندما قصف النظام الغوطتين بالسلاح الكيميائي لحس أوباما تهديداته بتوجيه ضربة عقابية إليه، والآن عندما يتم تدمير حلب على رؤوس أهلها سيلحس أوباما تلويحه بالقوة الذي يأتي في سياق لا لوقف تدمير المدينة بمقدار الحرص على أن يسمعه الناخب الأمريكي كي لا تنعكس سياسة التخاذل الأمريكية على خياراته الانتخابية حيال هيلاري كلينتون!
هل هناك “خطة ب” عند واشنطن؟ ليس من الواضح. وهل توافرت أخيرا رغبة أمريكية في تزويد المعارضة المعتدلة، صواريخ مضادة للطيران توقف التدمير المنهجي لحلب، أو السماح للحلفاء بتزويدها هذا السلاح؟ أيضا ليس من الواضح، خصوصا إزاء تاريخ من مخاوف واشنطن من أن تصل الصواريخ إلى أيدي الإرهابيين!
وهكذا، عندما يتصل جون كيري بسيرغي لافروف معترضا على التدهور البالغ للوضع في سوريا، ويحمّل موسكو مسؤولية الانهيار المريع، بما في ذلك استخدامها قنابل محرمة في مناطق مدنية، ويبلغه أن الإدارة الأمريكية تناقش خيارات غير ديبلوماسية لمواجهة هذا التطور الخطير، يبدو الأمر فعلا بمثابة تهديد واضح بتغيير قواعد اللعبة!
ولكن عندما تردّ موسكو في البدية بأنها على استعداد لمواصلة التعاون مع واشنطن على رغم التهديد الأمريكي بتعليقه، يبدو الأمر محاولة رياء جديدة لإمتصاص الامتعاض. أما عندما تصف بعد ساعات قليلة التهديدات الأمريكية بأنها مجرد تصريحات خرقاء، فإن ذلك يعني واحدا من أمرين:
إما انها تدرك جيدا أن أوباما الذي كان بطة عرجاء قبل ستة أعوام، بات الآن بطة منتوفة عشية تركه البيت الأبيض، ولهذا فإن التلويح بخيارات بديلة تدرسها وكالات الأمن القومي الأمريكي، لن يثني بوتين عن المضي في اقتناص فترة الانحسار الأمريكي ليفرض روزنامته السياسية من حلب إلى أوكرانيا.
وإما أن أوباما المخاتل، يدفع بوتين إلى أن يلعب ضمنا دور الشريك المضارب في سوريا، بمعنى تركه يرسم بالنار حدود التقسيم ويتحمل مسؤوليته، لأنه من غير الممكن استعادة نفوذ الأسد على كل سوريا، وهو ما يخدم عمليا رهانات أمريكا الواضحة على قيام منطقة كردية، التي تلتقي مع إعلان بوتين في آذار/ مارس الماضي عن الحل عبر الفيديرالية، التي تشكل حلب بوابتها الأخيرة!
(عن صحيفة النهار اللبنانية)