يشبّه الكثير من المراقبين والمحللين مدينة حلب بالعاصمة الألمانية برلين عام 1945 أو بــ غروزني عاصمة جمهورية الشيشان عام 2000 بسبب حجم الدمار الهائل الذي لحق بالمدينة جراء الحرب، ومع تزايد الحشود العسكرية التي يدفع بها النظام وحلفاؤه وكذلك فصائل المعارضة السورية لإحكام السيطرة على المدينة تبرز الكثير من التساؤلات المخيفة حول ماهية الصراع الدولي عليها.
بداية مما ذكرته صحيفة “يني شفق” التركية اليوم حول وجود تفاهمات روسية – تركية تهدف لإفشال خطة الولايات المتحدة الأمريكية في الشمال السوري، حيث نقلت الصحيفة عن مصادر لم تسمها أن الاتفاق التركي – الروسي يهدف لإفشال خطة أمريكية لتسليم المناطق الممتدة من معبر اليعربية الفاصل بين العراق وسوريا مرورا بالحسكة والقامشلي وعين العرب و تل أبيض وجرابلس و أعزاز وصولا إلى عفرين بريف حلب لتنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي الذي تعتبره أنقرة منظمة “إرهابية”، وبحسب المشروع التركي الروسي سيتم إنشاء منطقة عازلة من قبل تركيا في الشمال السوري، مع احتمال تقدم قوات “درع الفرات” إلى مركز مدينة حلب وانسحاب قوات النظام السوري من المناطق المشمولة بالاتفاق، على أن ينحصر تواجده – حسب الصحيفة- في محافظتي طرطوس واللاذقية، وأشارت إلى أن العملية العسكرية التي بدأتها فصائل معارضة ممثلة بجيش الفتح والحزب التركستاني وفصائل أخرى يندرج ضمن الاتفاق.
بالتحليل المنطقي فإن هذا الكلام ضرب من الخيال وأقرب إلى العبثية، فليس من السهولة بمكان أن تتخلى روسيا عن كل مكاسبها في حلب، المدينة ذات الرمزية الكبيرة للرئيس بوتين، لصالح تركيا أردوغان، و لا يعقل من دولة استخدمت الفيتو خمس مرات في مجلس الأمن كان آخرها 8 من أكتوبر الجاري، لإفشال قرارات “إدانة” لنظام الأسد أن تتخلى عنه بهذه السهولة دون ثمن، كما أن روسيا تدفع بتعزيزات كبيرة للساحل السوري دعما لعملياتها الوحشية في سوريا كان آخرها إرسال ثلاث غواصات نووية روسية محملة بصواريخ كروز توقفت في الجزائر للتزود بالوقود في طريقها إلى سوريا حسبما ذكرت صحيفة الاندبندنت البريطانية.
في كل عملية عسكرية للمعارضة السورية تزيد التكهنات عن وجود تفاهمات أو سلاح نوعي للفصائل المعارضة، لكن عمر ست سنوات من الحرب أثبتت أن المقاتل السوري المعارض ترك وحيدا في معارك مفصلية كثيرة،ولن تكون معركة حلب استثناء إذا ما تم مقارنة ما يتم تقديمه للنظام من دعم عسكري وبشري مقابل ما تتلقاه فصائل المعارضة، ولا ننسى الخطوط الحمراء لكل من أروغان و باراك أوباما بشأن سوريا، فهي قد ساهمت بشكل أو بآخر بإعطاء ضوء أخضر للأسد لإبادة مناطق السنة التي خرجت على نظام حكمه.
وفي حال صحت التسريبات في الصحيفة حول وجود هذا الاتفاق، نتساءل أين مكان إيران في المعادلة، فهي التي خسرت وتخسر كل يوم خيرة عسكرييها في الحرس الثوري خلال المعارك، ثم إن ملامح تشكل الهلال الشيعي في المنطقة قد ظهرت، مع انتخاب ميشيل عون المدعوم من حزب الله رئيسا للبنان بعد مخاض عسير، هذا عدا عن مشاركة ميليشيات إيرانية بشكل مباشر مع القوات العراقية وميليشيا الحشد الشعبي في معارك الموصل ضد تنظيم الدولة الإسلامية.
الوقائع على الأرض هي التي تصنع التفاهمات وليس العكس، وهذا ما يؤدي بالضرورة للقول بأن هناك تفاهما تركيا روسيا تم حول عملية “درع الفرات”، ووجود تفاهم أيضا بين الجانبين بضرورة التخلص من مقاتلي جبهة فتح الشام ( جبهة النصرة سابقا) وكذلك مقاتلي حركة أحرار الشام التي تعتبرهما موسكو منظمات “إرهابية” في الشمال السوري، وهذا ما لم يخفه مولود جاويش أوغلو الذي دعا لخروج مقاتلي جبهة فتح الشام من أحياء حلب الشرقية تجنبا لتدميرها، لكن الرد جاء من هذه الفصائل ببدء عملية “ملحمة حلب الكبرى” لفك الحصار عن المقاتلين في القسم الشرقي من حلب، وكذلك للسيطرة على القسم الغربي، وهذه العملية إن نجحت ستكون نقطة تحول كبرى في تاريخ الصراع السوري.