لماذا سخر بعضهم في وسائل الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي، من الرئيس السوري، بشار الأسد، ومن طريقته في تقييم المرشحين الرئاسيين الأميركيين، هيلاري كلينتون ودونالد ترامب؟ ما قاله سليم من الناحية المنطقية، وتثبت كل الوقائع على الأرض صحته، فالولايات المتحدة في خطر، وعليها أن تُحسن اختيار رئيسها من أصحاب الخبرة، وإلا فهي أمام عقبات كبيرة، وعليها أن تتعلم من التجربة السورية، فسورية التي ليست في خطر، وآمنة ومستقرّة، استطاعت أن تحقق ذلك بسبب أنها تختار رئيسها دائماً من أصحاب الخبرة، أو من أبناء أصحاب الخبرة.
قال الأسد، في مقابلة مع شبكة “إن بي سي نيوز” إن كلاً من المرشحيْن، هيلاري وترامب، لا يمتلك الخبرة الكافية ليكون رئيساً، وذلك يشكل خطراً على الولايات المتحدة. وإنه إذا عمل أحدهم سنواتٍ في الحكومة، أو في الشؤون الخارجية، فلا يعني ذلك أنه جاهز ليكون رئيساً.
وتساءل: “من امتلك الخبرة سابقاً؟ أوباما؟ أم بيل كلينتون؟ أم جورج بوش؟ ما من أحد منهم كانت لديه الخبرة، هذه هي مشكلة الولايات المتحدة… وهذا طبعا يشكل خطراً على بلادهم بشكل عام”.
هل من كلام صحيح أكثر من هذا؟ بالفعل، كل الرؤساء الأميركان لم يكونوا يمتلكون أي خبرة بالرئاسة، حين أصبحوا رؤساء. ومع الأسف، لا يسمح النظام السياسي الأميركي لهم باكتساب الخبرة الكافية، فبعد دورتين فقط، يغادرون مناصبهم، بعد أن يصبحوا مزودين بالخبرة الكافية ليكونوا رؤساء للأبد، وينقلوا السلطة إلى أبنائهم من بعدهم، ويصبح من حقهم أن يقتلوا ربع شعبهم، ويحاصروا ربعه، ويدفعوا نصفه إلى الهجرة، ليبقوا في مناصبهم، وتستفيد الولايات المتحدة من خبرتهم الرئاسية.
ويحق للرئيس السوري بشار الأسد أن يطلق الأحكام، ويقدّم النصائح، فهو صاحب خبرةٍ رئاسيةٍ كبيرة رضعها مع الحليب، وليس كأولئك الرؤساء عديمي الخبرة الذين تفرزهم الدول الديمقراطية، وهو رئيس ابن رئيس يفوز كلاهما بالانتخابات بنسبة تسعة وتسعين بالمائة، وليس مثلهم أولئك الأغرار الذين يفوزون بنسبة واحد وخمسين بالمائة.
وهو كذلك رئيس دولة تعاني من عقباتٍ بسيطة، مثل حرب أهلية مستمرة منذ خمس سنوات، ولا تحتل داعش سوى ربع أراضيها، ولم يقتل من أبنائها سوى بضع مئاتٍ من الآلاف، ولم يهجر سوى الملايين، ولم يسقط تحت خط الفقر سوى تسعين في المئة من السكان. وهذه العوامل كلها لا تجعل بلده في دائرة الخطر، لأنه بلد محظوظٌ اختار رئيساً صاحب خبرة.
وبهذا التصريح، يستحق الأسد براءة اختراع فكرية لهذه الفكرة العبقرية التي تجعل من شروط الترشح للرئاسة أن يكون الشخص رئيساً، وهي تشبه النكتة المصرية القديمة التي كان يتم تداولها في آخر انتخابات رئاسية في عهد حسني مبارك، وتقول إن وزارة الداخلية المصرية أعلنت شروط الترشح، ومنها أن يكون قد أتم الأربعين من العمر، وأن تكون لديه خبرة لا تقل عن خمسة وعشرين عاماً في الوظيفة التي يتقدّم إليها.
ويستحق الأسد تكريماً سياسياً، لاعتباره العمل وزير خارجية أربع سنواتٍ، لا يقدم أي خبرة سياسية، وهو بذلك يقيس على وزير خارجيته، ووزراء الخارجية الذين يعرفهم، فلا علاقة لهؤلاء بالقرار السياسي، المحتكر للعائلة ولضباط الأمن، ولحلقةٍ ضيقة من المقربين، وربما لو أتيح للأسد أن يستطرد في شرح فكرته كما اعتاد، لقال إنه راضٍ عن رئيس أميركي واحد هو جورج بوش الأب، لأنه يتحدر من المخابرات المركزية، وهو، من وجهة نظر الأسد، جدير بالرئاسة، مثل حليف الأسد نفسه، الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، القادم هو الآخر من مؤسسة المخابرات، فعقل الأسد لا يعتبر العمل مهماً، ما لم يكن مخابراتياً أو عسكرياً، وكل ما عدا ذلك لهو ولعب.
يحق للأسد إسداء النصائح للناخب الأميركي، وتحذيره من المصير الأسود الذي ينتظره، في حال انتخب أيا من المرشحين للانتخابات الأميركية، وهو بنظرته الثاقبة يرى الخطر الذي يتهدّد الولايات المتحدة، وبحرصه الشديد عليها، يرى من واجبه أن يحذر من خطر يراه، ولا يراه البشر الطبيعيون.
هناك خطأ واحد في تصريح الأسد، أنه جمع جورج بوش الابن مع بقية الرؤساء والمرشحين الرئاسيين الأميركيين، فهناك صفتان مشتركتان بين الرجلين: أن كليهما ابن رئيس، وأن كليهما أحمق.
العربي الجديد – علا عباس