يعترف مسؤولون خليجيون ومحللون أن الأزمة التي تفتعلها كل من السعودية والإمارات مع قطر، ستكون لها تداعيات خطيرة على كل من السعودية والإمارات وكامل دول المنطقة.
وربما ستصبح هاتان الدولتان أولى الضحايا، حيث أنها ستضع اقتصادهما تحت مرمى عدم الاستقرار الذي سيرفع من كلف الاقتراض من الأسواق الدولية ومن كلف التأمين على القروض الحالية.
ويمكن تلخيص تداعيات هذه الأزمة على دول مجلس التعاون وتحديداً على كل من السعودية والإمارات، في مجموعة من النقاط، على الرغم من أنه حتى الآن لم ينجلِ الغبار عن الخسائر التي ستتكبدها هاتان الدولتان، اللتان تتجهان نحو تنويع مصادر الدخل وتسعيان للانفتاح الاقتصادي وتعتمدان على الاستثمار الأجنبي، خصوصاً مع تدهور أسعار النفط وتأثيراته على الإيرادات العامة.
البيئة الاستثمارية المضطربة
على الصعيد السعودي، تقول التقارير إن المملكة تعتمد في تنفيذ رؤية 2030 على جذب الاستثمارات الأجنبية وطرح سندات أرامكو في أسواق المال العالمية. والسعودية بلد كبير، مأهول بالسكان، مقارنة بباقي دول مجلس التعاون الخليجي. ولكن السعودية تعاني من ارتفاع معدل البطالة، خاصة وسط الشباب، حيث تفوق 20% وفق الإحصاءات، كما تعاني كذلك من ارتفاع معدلات الفقر.
وبالتالي، يشير المتابعون إلى أن السعودية تبحث عن استثمارات أجنبية لنقل التقنية وتحديث الاقتصاد وفتح الفرص للشباب والحد من الفقر الذي يضرب العديد من مواطنيها، مقارنة بقطر التي لا يفوق عدد سكانها 2.7 مليون نسمة، وتتصدر دول العالم في مستوى دخل الفرد.
ونمو الاستثمارات لن يتأتى للسعودية، إلا من خلال تحقيق معادلتين: أولاً توفير استثمارات أجنبية نوعية في مجالات التصنيع والاقتصاد الحديث تخلق فرص عمل سريعة للشباب من خريجي الجامعات. وثانياً، الوصول إلى سعر معقول للنفط فوق مستوى 60 دولاراً للبرميل على الأقل. ولكن هذه الأزمة التي ظهرت فجأة ضد قطر تهدد كلا المعادلتين.
واعترف وزير الخارجية الإماراتي أنور قرقاش في لقاء يوم الأربعاء الماضي، نقلت وكالة بلومبيرغ مقتطفات منه، أن سمعة منطقة الخليج كمنطقة آمنة لاستثمار رأس المال ستُضرب بسبب هذا الخلاف. وقال في هذا الصدد “لا أستطيع نفي أن هذا الخلاف ستترتب عليه خسائر لكامل منطقة الخليج”.
من جانبه يقول كبير المستشارين في مؤسسة “غلف ستيت انيليتكس”، ثيودور كارسيك، إن هذا الخلاف ربما يهدد بقاء مجلس التعاون الخليجي. ويتساءل الخبير كارسيك قائلاً في تعليقات لوكالة بلومبيرغ، “ماذا لو قررت قطر الانسحاب من الاتحاد الخليجي؟”.
أما كبير الاقتصاديين بمجموعة سامبا المالية السعودية، جيمس ريف فيقول: “أي خلاف بهذا الحجم سيؤثر على مناخ الاستثمار بجميع دول مجلس التعاون الخليجي”. ويضيف “هذا الخلاف سيذكر المستثمرين أن القضايا السياسية بالمنطقة يمكن أن تشتعل بشكل مفاجئ”.
وبالتالي، فإن هذه الأزمة، ستنتهي بضرب الاستقرار السياسي في الخليج. ومعروف أن المستثمر الأجنبي لا يرغب في الاستثمار في منطقة غير مستقرة سياسياً، عرضة للمفاجآت السياسية والتقلبات.
وسط هذا المحيط المضطرب، لا يدري المستثمر الأجنبي ما الذي سيحدث غداً، إذا كانت كل من الرياض والإمارات تديران علاقاتهما مع دولة عضو في مجلس التعاون وتربطهما بها علاقات رحم ودم، بهذه المزاجية.
أسعار النفط
على صعيد تحسن أسعار النفط، يلاحظ أن الأسعار انخفضت منذ بداية هذه الأزمة التي من المتوقع أن تهدد اتفاق تمديد اتفاق منظمة البلدان المصدرة للنفط “أوبك” خفض سقف الإنتاج. وربما تنتهي إلى عودة الدول المنتجة للنفط إلى مرحلة “فوضى الإنتاج”، حيث تنتج كل دولة في “أوبك” على هواها، فتنحدر أسعار النفط إلى مستويات تحت 40 دولاراً للبرميل. إذا حدث ذلك، وهو ليس مستبعداً في حال تمادي الحصار، فستكون أولى ضحاياها السعودية والإمارات اللتان تعتمدان على النفط أكثر من قطر التي تعتمد على الغاز الطبيعي المسال، المرتبط بعقود طويلة الأجل مع مستهلكين ثابتين في آسيا وأوروبا.
وفي حين يعتبر خبراء الاقتصاد أن لا تأثيرات مباشرة من الأزمة الجيوسياسية الحالية على أسعار النفط العالمية، إلا أن استمرار المقاطعة والحصار قد يؤدي إلى مشكلة في السوق النفطية لتأثر هذه المادة بشكل عام بالأزمات. إلا أن الخبراء يؤكدون أن قطر من الموردين الأساسيين للغاز في العالم، وتمادي الحصار قد يؤثر على هذه السوق، ما يرفع من التحديات الدولية في مواجهة الأزمة الدائرة.
طرح أسهم أرامكو
أما بشأن تداعيات هذه الأزمة على طرح السعودية المرتقب لحصة 5% من أسهم أرامكو. فمعروف حتى قبل اندلاع هذا الخلاف هنالك فجوة واسعة بين تقييم السعودية لحجم موجودات أرامكو وبين التقييم العالمي. فبينما ترى السعودية أن قيمة أرامكو تريليونا دولار، تعتبر مؤسسات وبنوك عالمية أن قيمتها تراوح بين 900 مليار دولار و1.1 تريليون دولار، وذلك حسب ما ذكرت صحيفة “فايننشال تايمز” في مقال تحليلي مطول قبل شهور بشأن الجدل الدائر حول قيمة أرامكو الحقيقية.
وليس من المعروف، كيف ستقيم البنوك العالمية أرامكو في أعقاب هذه الأزمة التي رفعت من عدم الاستقرار السياسي في المنطقة. وما هي الضمانات الأمنية التي سيطالب بها المستثمرون الكبار، الحكومة السعودية، قبل وضع أموالهم في اكتتاب أرامكو. وكيف يمكن للمستثمرين الكبار أن يكتتبوا في أرامكو وهم غير واثقين من مستقبل الاستقرار السياسي في منطقة الخليج.
وبالنسبة لدولة الإمارات، خاصة دبي التي تعتمد على تدفقات رأس المال الأجنبي، فإن هذه الأزمة سترفع من عدم الاستقرار السياسي. ولا يستبعد خبراء أن تطلق موجة جديدة من فرار المستثمرين من إمارة دبي، مثلما حدث إبان أزمة المال العالمية، وتعود إمارة دبي إلى مراكمة الديون ومطاردة البنوك الاستثمارية لموجوداتها مجدداً.
أما النقطة الثالثة الخاصة بعلاقة قطر بإيران، فإن حجم التبادل التجاري بين الإمارات وإيران، والاستثمارات الإيرانية في دبي وعدد المليارديرات الذين ينتمون لأصول إيرانية، تشير إلى حجم العلاقات القائمة بين الإمارات وإيران، خصوصاً أن للأخيرة اتفاقاتٍ لتزويد الإمارات بالغاز الطبيعي. ولا يمكن من هذا المنطلق، أن تدعي دولة الإمارات أن علاقة الدوحة بطهران حجة كافية لافتعال هذه الأزمة مع الدوحة.
التأثيرات التجارية
وبالنسبة للتأثيرات التجارية، فإن التبادل بين الدول ينتج منافع متبادلة، وبالتالي فإن وقف العلاقات التجارية مع قطر وفرض الحصار البري والبحري والجوي، يعني بتر هذه المنافع.
وفي حين بدأت الشركات العالمية والقطرية إيجاد بدائل في المسارات التجارية البحرية، وفي ظل فتح عدد من الأسواق أبوابها أمام السوق القطرية استيراداً وتصديراً، يؤكد المحللون أن عملية المقاطعة التي تقودها السعودية والإمارات والبحرين ستلحق الأضرار بهذه الدول، التي ستخسر مليارات الدولارات من وقف التبادل التجاري مع قطر، وستتكبد ملايين الدولارات الإضافية لإيجاد أسواق أخرى.
وكانت شركة نورسك هيدرو النرويجية قد أكدت، الجمعة، أن مصنع “ألومنيوم قطر” أوجد طرقاً بحرية جديدة لتصدير هذا المعدن. وقال متحدث باسم هيدرو، التي تملك 50% من “ألومنيوم قطر”، إن العملاء قد يواجهون بعض التأخير في التسليم، نظراً لتغيير المسار التجاري. وينتج المصنع أكثر من 600 ألف طن من الألومنيوم الأولي سنوياً.
وأيضاً أعلنت شركة “ميرسك لاين” التابعة لشركة “إيه.بي مولر- ميرسك” الدنماركية إنها ستبدأ في شحن الحاويات إلى قطر من سلطنة عمان لتجنب الحصار التجاري الذي فرضته دول عربية على قطر.
ومن ناحيتها أكدت الدوحة في وقت سابق بأنها ستعمل على ألا تؤثر عمليات المقاطعة البحرية للموانئ القريبة على واردات البلد من الخارج. وكانت شركة “كونوكو فيليبس”، قد أكدت أن إنتاج الغاز الطبيعي المسال وتصديره من مشروع استثماري مع قطر لم يتأثر بالحصار المفروض على البلاد.
وإن كان قطع حركة الطيران من الدوحة وإليها يلحق أضراراً بشركات الطيران القطرية، إلا أن التداعيات، وفق متابعين لهذا الملف، على الشركات في الدول التي تقود حملة المقاطعة تعتبر أضعافاً مضاعفة، خصوصاً أن الدوحة تعتبر محطة ترانزيت أساسية لشركات الطيران الخليجية. وتتعدى الآثار حجم الخسائر التي ستمنى بها هذه الشركات، إلى التكاليف الإضافية التي سيتكبدها المسافرون من الدول المقاطعة نتيجة إلغاء محطة الترانزيت في الدوحة.
وفي الوقت ذاته، يسيطر القلق على عدد كبير من الشركات السعودية والإماراتية العاملة في قطر، في ظل إجراءات قطع العلاقات. وتأتي الشركات العقارية والإنشائية على رأس المتضررين من الحصار وتوابعه، خصوصاً مع دخولها في مشاريع ضخمة في قطر تقدر بملايين الدولارات. ويمتد القلق إلى مشاريع استثمارية أخرى، قد تلحقها تداعيات الأزمة، خصوصاً في قطاع الخدمات والسياحة.
انعكاسات على الأسواق المالية
وتنعكس الأزمة الدائرة مباشرة على الأسواق المالية والبورصات الخليجية، خصوصاً مع ارتفاع حدة القلق لدى المتداولين التي يمكن قراءتها بالتراجع الذي يصيب بورصات الدول المقاطعة منذ إعلان الحصار على قطر.
في حين تعافت بورصة قطر يوم الخميس من هبوط أحدثه الحصار المفروض على الدولة، ضغط هبوط أسعار النفط والحملة على الدوحة على البورصة السعودية، في حين شهدت بورصة دبي تراجعاً أيضاً. وأشار مسؤولون إلى أن الكثير من الأسهم القيادية القطرية هبطت إلى مستويات جذابة نسبياً. ويأمل المستثمرون أيضاً في نجاح جهود الوساطة في التوصل إلى حل للخلاف.
وبدأت تحذيرات الخبراء تتصاعد فيما يتعلق بالتعامل في الأسهم خلال الفترة الحالية، وذلك بسبب عدم اليقين في معرفة مستقبل الأزمة الناشئة. وارتفعت بالتالي حدة القلق لدى المتداولين، خصوصاً بسبب الترابط الاقتصادي لدول مجلس التعاون، ووجود مساهمات فاعلة متبادلة في رؤوس أموال الشركات المطروحة في البورصات.
صدى الشام