يعاني معظم سكان سوريا من كافة أنواع الحصار من قبل النظام السوري، لكن تباينت أنواع الحصار من مدينة لأخرى، مدن أرهقها الجوع ونقص المستلزمات الحياتية، ومدن أضناها الحصار المعنوي المطبق على سكانها، فكانت مدينة اللاذقية هي المثال الأوضح على ذلك.
كثر مؤخراً الحديث عن المناطق التي يحاصرها النظام، ولكن لا بد من التذكير بحصار أهالي اللاذقية الخانق، بما أنها مسقط رأس النظام.
انتفض شعب اللاذقية لتلبية نداء درعا مباشرة، حيث نال سكان الأحياء السنية النصيب الوافر من الشهداء، والحي والميت اقتص منه النظام بطرق مختلفة، لتكون محافظة اللاذقية أول من اكتوت بحصار النظام لها وبدون اكتراث من أحد.
الشهيد بمجازر اللاذقية الأولى هو المحاصر الأكبر، فلما كان ” إكرام الميت دفنه “، عمل النظام جاهداً لقلب هذا المثل رأساً على عقب بطرق شنيعة.
قرابة 200 شهيد سقطوا في رأس النبع بريف مدينة بانياس مطلع عام 2013، عندما اقتحمها شبيحة النظام وشرعوا بذبح نسائها وأطفالها، وأعدموا رجالها ميدانياً، إلا أن موتهم لم يشفع لهم، فجثث محروقة وأخرى تحولت لأشلاء، وبالتالي الكثير منها لم يدفن.
شهداء رأس النبع، سبقهم اعتقال عشرات الشباب من قرية البيضا بريف بانياس بعد أن حدثت فيها أيضاً مجزرة راح ضحيتها 248، وكل معتقل أيضاً مشروع شهادة، بلا جثة تعود لأهله أو قبر يليق به.
فريال امرأة في الأربعينيات تقول:” إن أكثر ما يقهرني هو أننا فقدنا أخي تحت التعذيب بأقبية سجونهم، ولسنا قادرين على القيام بمراسم الموت لأننا نمكث بحارة علوية، بل لم نستلم جثته”.
للشهداء حصار من نوع آخر، فلا يوجد مسجد باللاذقية يصدح باسمه، ولا نعوة تعلق على الجدران لإعلان وفاته أمام الملأ، فضلاً عن عدم نصب بيت عزاء لمن يستشهد في أقبيتهم.
علا جبلاوي طفلة شهيدة اخترقت رصاصة الشبيحة عينها الصغيرة عندما كانت جالسة بجانب والدها في سيارتهم، ضمن أحد أحياء السنة، لم يتسنى لهم حتى الحزن عليها علناً، فهي “إرهابية” حاربت النظام ببراءتها، فكان عقابها الموت الصامت.
هوية الشخص المرسلة لأهله، رمز الشهادة له، هي وثيقة الدفن الوحيدة البعيدة عن الأرض والأهل، أحياناً الخبر المتناقل على الألسنة هو نبأ الموت الوحيد، الذي بعده يخيم الصمت على نفوس عائلة الشهيد، وليس بالإمكان سوى الحذر المرتقب خشية أن يتم حصار العائلة لأن ولدها “خائن” بعرف قوات الأسد وشبيحته.
محار الحسن