بيروت- حسن درويش: بين هبوط عملة وارتفاع التضخم لمستويات تاريخية وشح حاد في وفرة النقد الأجنبي، يقترب لبنان من الوصول لنهاية عام يعتبر الأسوأ منذ الحرب الأهلية، إن لم يكن الأسوأ على الإطلاق.
الأزمات الاقتصادية رغم صعوبة إعادتها لمسارها الطبيعي، إلا أن الطبقة السياسة ما تزال عاجزة عن تشكيل حكومة منذ أربعة أشهر، تخلف حكومة حسّان دياب، التي استقالت أغسطس/ آب الماضي عقب انفجار ضخم في مرفأ بيروت.
و22 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، كلّف الرئيس اللبناني ميشال عون، سعد الحريري، بتشكيل الحكومة الجديدة، عقب اعتذار سلفه مصطفى أديب، لتعثر مهمته في تشكيلها.
ومنذ أواخر 2019، بدأت بوادر الأزمة الاقتصادية تتبلور في لبنان، مما أدى ببعض المودعين إلى سحب أموالهم من المصارف أو تحويلها إلى خارج لبنان.
نتيجة لذلك، بدأ شح العملات الأجنبية وتحديداً الدولار في المصارف يظهر جليا داخل الأسواق، فاستقبل اللبنانيون 2020 بمجموعة قرارات مصرفية تتعلّق بوضع حد للسحوبات بالدولار، وتعميم من مصرف لبنان لفتح اعتمادات بالدولار مخصّصة لاستيراد المحروقات والقمح والأدوية.
ونظراً لأن معظم السلع يتم استيرادها من الخارج، أي أن ثمنها يُدفع بالدولار الأمريكي، ظهر ما يسمّى “السوق السوداء”؛ التي سجلت فجوات كبيرة بين أسعارها وسعر السوق الرسمية.
هبوط قيمة الليرة
فقدت الليرة اللبنانية 78 في المئة من قيمتها في عام 2020؛ فبعدما كان الدولار الواحد يساوي 1500 ليرة، وصل هذا العام إلى 9000 ليرة في السوق السوداء.
ومنذ يونيو/ حزيران الماضي، أعلن مصرف لبنان بدء العمل بمنصة إلكترونية في إطار جهود لتوحيد سعر الدولار في السوق الموازية.
منذ ذلك الحين، أصبح سوق الصرف تتضمن ثلاثة أسعار للدولار، الأول هو السعر الرسمي من مصرف لبنان البالغ 1507 للدولار والواحد، والثاني سعر منصة إلكترونية لعمليات الصيرفة ويتراوح بين 3000 و3900 ليرة.
بينما السعر الثالث هو سعر السوق السوداء الذي وصل في الأشهر الماضية إلى 9000، واليوم يتراوح بين 8000 و8600 ليرة للدولار الواحد.
الاحتياطي الإلزامي
تبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك في لبنان 15 في المئة من إجمالي الودائع، وهي تزيد عنها في دول مجاورة كالأردن 5 في المئة، وفلسطين 9 في المئة.
والاحتياطي الإلزامي، هي أموال تضعها المصارف العاملة في السوق المحلية لدى البنك المركزي، كسيولة تحميها من أية مخاطر، وترتفع قيمتها بارتفاع حجم ودائع القطاع المصرفي.
ويتهدد لبنان تنفيذ خفض في الاحتياطي الإلزامي، واستخدام السيولة الناجمة عن الخفض في السوق المحلية، أو تحويلها لتوفير فاتورة الواردات من الخارج.
في المقابل، يواجه لبنان تراجعا متسارعا في احتياطي النقد الأجنبي منذ أكتوبر 2019، مع تزايد حاجة البلاد للنقد الأجنبي وتراجع وفرته محليا، وسط هبوط حاد في سعر صرف الليرة، ونتيجة لجوء المودعين إلى سحب أموالهم.
وتشير تقديرات أن الاحتياطي الأجنبي لا يزيد حاليا عن 15 مليار دولار، نزولا من متوسط 30 مليار دولار في 2019، بينما تحافظ البلاد على احتياطي الذهب، بمقدار 286 طنا، بحسب بيانات مجلس الذهب العالمي.
ورغم تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة أنّه لا يمكن خفض نسبة الاحتياطي الإلزامي، يدرس المصرف المركزي حسب متابعين خفض هذا المستوى من 15 إلى 12 في المئة أو 10 في المئة، لمتابعة دعم الموادّ الأساسية.
مصرف لبنان
بحسب الميزانية العمومية لمصرف لبنان، انخفضت الموجودات بالعملات الأجنبية هذا العام في المصرف بقيمة 32 في المئة عن منتصف نوفمبر/ تشرين ثاني 2019.
ويعود سبب هذا الانخفاض بحسب التقرير نفسه، إلى تمويل المصرف المركزي استيراد المحروقات والطحين والأدوية ودعم سلّة غذائية وضخ الدولار في سوق الصرف.
وتشير أرقام المعهد اللبناني لدراسات السوق (خاص)، أن خسائر المصرف المركزي بلغت 40 مليار دولار، 20 منها بين عامي 2018 و2020.
ووفق بيانات صندوق النقد الدولي، فإن الناتج المحلي الذي كان وصل 53 مليار دولار في 2019، من المتوقع أن ينخفض بشكل غير مسبوق إلى 18 مليار دولار مع نهاية 2020.
أما الدين العام في البلاد، فقد بلغ حتى نهاية سبتمبر/ أيلول 2020 نحو 95 مليار دولار، بحسب أرقام الدولية للمعلومات (شركة خاصة).
التضخم
بحسب إدارة الإحصاء المركزي في رئاسة مجلس الوزراء، ارتفع مؤشر أسعار المستهلك هذه السنة بنسبة 136.80 في المئة خلال نوفمبر/ تشرين ثاني الماضي، على أساس سنوي.
ويعطي هذا المؤشر لمحة عامة عن تطور أسعار السلع والخدمات التي تستهلكها الأسر، ويؤشر إلى ارتفاع حاد في أسعار السلع المستوردة والمحلية، بسبب هبوط العملة، وتحويل فروقات أسعار الصرف للمستهلك النهائي.
التدقيق الجنائي
وفي محاولة لمعرفة سبب الانهيار وكشف المسؤولين عنه، وافقت الحكومة اللبنانية في يوليو/ تموز الماضي على فتح تدقيق جنائي بحسابات المصرف المركزي، وكلفت للغاية شركة دولية “الفاريز ومارسال”.
ويعتمد التدقيق الجنائي المالي عادة، على بعض القضايا المالية، بهدف التوصل إلى مستندات أو معلومات لملاحقة مشتبه فيهم بالتلاعب أو الهدر المالي، حيث يتم عرض تلك المستندات أمام المحكمة.
والتدقيق الجنائي المالي، هو مطلب أساسي للجهات الدولية المانحة وصندوق النقد الدولي من أجل مساعدة لبنان على الخروج من الانهيار المالي.
وفي نوفمبر الماضي، أعلنت شركة “ألفاريز ومارسال” اعتذارها من مهمة التدقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان، لعدم توفر ما يكفي من البيانات من المركزي.
ومثّل هذا القرار انتكاسة للبنان، حيث يُعد التدقيق أحد مطالب المانحين الأجانب الرئيسية لمساعدة البلد في تجاوز الانهيار المالي.
ويعتمد لبنان قانون السرية المصرفية منذ عام 1956، الذي يمنع كشف “السرّ المصرفي” لأية جهة كانت، سواء كانت قضائية أو إدارية أو مالية، إلا في بعض القضايا.. وقد شكل هذا القانون دافعاً لجذب رؤوس الأموال من دول عربية وأجنبية.
بطالة
الأزمة الاقتصادية بأكملها انعكست على المواطن اللبناني، من غلاء إلى فقدان فرص العمل وارتفاع نسب البطالة.
فقطاع المطاعم والمقاهي اليلية بمفرده، شهد حتّى نوفمبر الماضي، اقفال 265 مؤسسة بحسب “نقابة أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري في لبنان”.
وتوقعت الدولية للمعلومات (شركة خاصة)، أن يكون عدد العاطلين عن العمل في لبنان نهاية 2020 مليون شخص أي بنسبة 65 في المئة.
وذكر هذا الإحصاء الذي نُشر في مايو/ أيار، أنّ هذا الرقم “يبقى في معرض احتمال التحقق ما لم تحصل خطوات عملية سريعة من الجميع لتداركه”، وهي لم تحصل فعلاً.
اعتصامات
بسبب كل ما شهده لبنان عام 2020- وما يزال- تحرّك المواطنون على مدار العام باحتجاجاتٍ مطلبية.
السائقون العموميون، الأساتذة المتعاقدون، الاتحاد العمّالي العام وغيرها من الجهات نقابية تحرّكت باعتصامات وإضرابات شملت معظم المناطق اللبنانية من الشمال إلى الجنوب.
وشارك بهذه الوقفات مجموعات متعدّدة من المواطنين استنكارا للأوضاع المعيشية الصعبة، وهبوط الليرة أمام الدولار وما نتج عنها من أعباء كغلاء أسعار المواد الأساسية والأقساط.
نقلا عن القدس العربي