إذن انتهت الإنتخابات الإيرانية “الشكلية” بإعادة انتخاب “حسن روحاني” رئيساً جديداً لإيران, وسط موجة غضب شديدة أبداها المعارضون الإيرانيون لحكم “الولي الفقيه” والذين يعيشون في بلاد المهجر والاغتراب, إضافة لحالة تذمر كبيرة سادت أوساط الأشخاص الإصلاحيون في البلاد..
حالة التهكم والسخط على نتائج الانتخابات الإيرانية الأخيرة, جاءت مرافقة للحالة الإقتصادية المزرية التي يعيشها الشعب الإيراني في الداخل, حيث تنتشر البطالة والفقر, وتقل فرص العمل نتيجة العجز الواضح في الميزانية والخزينة المالية العامة للدولة, وتتهم شخصيات المعارضة الإيرانية نظام الملالي في طهران بالمسؤولية الكاملة عن هذا الإنحطاط الاخلاقي, نتيجة صرف مقدّرات البلاد على المشاريع الإيرانية الخارجية, الرامية لتصدير الثورة والتمدد داخل أراضي البلدان المجاورة في منطقة الشرق الاوسط, بل لتتعدى حدود الإقليم نحو شمال إفريقيا, كما يحدث اليوم في سورية والعراق والنفوذ الجديد في بعض دول المغرب العربي والسودان من خلال حملات “التشيع”, أما في سورية والعراق, تقاتل فيهما إيران بشراسة للحفاظ على مكاسبها الكبيرة التي عمدت إلى صنعها عبر سنين طويلة لا يمكن لنظام الولي الفقيه التخلي عنها بسهولة, فيما يقبع الشعب الإيراني في الداخل تحت سلطة الولي الفقيه الديكتاتورية التي أهملت الشؤون الداخلية إهمالاً كبيراً..
ما قبل الإنتخابات:
خلال الأيام التي سبقت إعادة انتخاب الرئيس الإيراني حسن روحاني, انتشر أحد خطاباته على مواقع التواصل الاجتماعي, حيث كان يتحدث في البرلمان الإيراني, وقال إن معارضي النظام الجديد ينبغي شنقهم على الملأ خلال صلاة الجمعة, كرسالة لمن يهمه الأمر.
وكان روحاني مايزال صغير السن خلال إلقائه هذا الخطاب, إذ إنه كان في بداية ال40 من عمره, والثورة الإيرانية كانت فتية في مراحلها الأولى آنذاك, كما أن العديد من القادة الإيرانيين قطعوا الرحلة من الثورة إلى الإصلاح, ولكن الشيء اللافت للنظر والذي جعل من خطاب حسن روحاني بمثابة شيء عظيم المعاني بالنسبة للإيرانيين, هو أن الرئيس الإيراني انحرف قليلاً عن مساره القديم ولو بدرجة بسيطة للغاية ليسلك طريقاً مغايرة نوعاً ما, وغير لهجته المعتادة عنه على الأقل في العلن وإن كانت السياسات على الأرض لا تعبر عن هذا الشيء بشكل دقيق المعنى..
ولكن خلال حملته الانتخابية الأخيرة اتبع روحاني سياسة “اللين” في خطابه ووعوده التي ظهرت عليها نوع من المرونة, وإن كان المعارضون يتهمونها بالهامشية والشكلية, فكل قرار مهم يصدر عن الولي الفقيه فقط.
حيث أبلغ روحاني الناخبين أنه سيكون “محامياً” للدفاع عن حقوقهم, وانتقد منافسه الرئيس ابراهيم رئيسي, لدوره في إلقاء أوامر إعدام المعارضين السياسيين, ووعد بحقوق أكثر للنساء وحرية التعبير.
ويبدو كل ذلك جيداً، كما أن الأمر بالنسبة للمراقبين الغربيين الذين يبحثون في إيران عن النسخة الإيرانية لميخائيل غورباتشوف، رئيس الاتحاد السوفييتي الأخير، سيكون جيداً. ولكن لسوء الطالع، ليس هناك أي سبب يجعلنا نصدق أن روحاني يحافظ على وعوده، أو حتى يحاول ذلك في أي من هذه الوعود.
وبداية، يمكن العودة إلى عام 2013 عندما فاز روحاني بمنصب الرئاسة للمرة الأولى، وكان قد قدم وعوداً مماثلة ولكن الآن ندرك أن حقوق الإنسان أصبحت أكثر سوءاً خلال فترة رئاسته. وجرى توثيق ذلك من قبل مركز حقوق الإنسان في إيران، هذه المنظمة التي أشارت في أكتوبر الماضي إلى أن روحاني أيد القانون الذي يقضي بوضع كل وسائل الإعلام تحت سيطرة الحكومة الإيرانية.
ووثق المركز موجة من الاعتقالات للصحافيين في نوفمبر عام 2015، إثر توقيع الاتفاق النووي الإيراني مع الولايات المتحدة وخمس دول أخرى. وخلال التحضير للانتخابات التي جرت في 19 مايو الجاري، كتب 29 عضواً من الاتحاد الأوروبي رسالة مفتوحة يحثون فيها إيران على إنهاء الاعتقالات والترهيب والمضايقة خلال هذه الفترة.
ولخص البروفيسور صادق زيباكالام، أستاذ العلوم السياسية في جامعة طهران كل ذلك في نوفمبر الماضي، عندما قال: “روحاني لا يمتلك السلطة لتحرير المساجين السياسيين، أو إنهاء الإقامات الجبرية، بل هو لا يحاول التظاهر بأنه يريد فعل أي شيء”.
ولإنصاف روحاني، فإن معظم هذه الأمور تتجاوز سلطته. وكل من يطلع على إيران عن كثب يدرك ذلك، إذ أن السلطة الحقيقية بيد القائد علي خامنئي، والأجهزة الأمنية تعمل مثل عصابات المافيا المتنافسة في هذه الأيام، وتسيطر على العديد من الصناعات والأعمال التجارية في إيران. ولا يملك روحاني سلطة تذكر بشأن السياسة الخارجية لإيران.
المركز الصحفي السوري – حازم الحلبي.