حوّل أحد أهالي بلدة عقرب بريف حماة الجنوبي، ويدعى أبو كريم، حديقة منزله إلى “حقل زراعي بسيط” لا تتجاوز مساحته أربعة أمتار مربعة. يحتوي هذا الحقل على خضار يمكن زراعتها حسب ما يتوفر له من البذور، وإمكانية سقايتها من مياه الآبار التي يحفرونها يدوياً. الأكيد أن التجربة لم تكن الأمر ضرباً من الرفاهية، بل محاولة من أبو كريم لسد جوع أطفاله الأربعة وزوجته.
ابتكار
تلك المحاولة البسيطة كانت لمقاومة الحصار المفروض على بلدة عقرب منذ ما يقارب الأربع سنوات من قبل قوات النظام وميليشياته، ما تسبب بموت الكثير من أهالي تلك البلدة جراء هذا الحصار نتيجة الجوع والعطش الذي فتك بأطفال وشيوخ هذه البلدة.
يقول أبو كريم لـ صدى الشام إنه جعل لكل نوع من الخضار نبتة واحدة فقط، لكي تكفي مساحة حديقته المتواضعه أنواع الخضار المزروعة، والتي غالباً ما يكون فيها من ستة إلى سبعة أنواع من الخضار والبقوليات”.
غير أن الأمر ليس بهذه البساطة، فسقاية تلك النباتات قد تكون في بعض الأيام على حساب أطفاله واقتطاع نصيبهم من مياه الشرب، فالأهالي هنا يعانون منذ أكثر من ثلاثة أعوام من انقطاع مياه الشرب عنهم، وعليه فقد لجؤوا لحفر الآبار يدوياً في منازلهم.
يقول الناشط الميداني في بلدة عقرب حسن العمري، إن حصار النظام لبلدة عقرب بريف حماة الجنوبي دفع الأهالي إلى ابتكار أساليب جديدة أو العودة إلى وسائل قديمة لم تعد مستخدمة في هذه الأيام.
ويضيف أنه وفي ظل الحصار المفروض على البلدة ومنع دخول الغذاء والمساعدات الإنسانية إلى العائلات المحاصرة في الداخل، كانت زراعة حدائق المنازل سبيل الأهالي الوحيد في مقاومة الجوع والحصار، وتأمين الحد الأدنى من متطلبات المعيشة والحياة لهم ولأبنائهم.
لجأ أهالي بلدة عقرب إلى زراعة حدائق المنازل بالخضار والبقوليات وذلك في ظل الحصار المفروض على البلدة ومنع دخول الغذاء والمساعدات الإنسانية إليها.
في مواجهة الغلاء
ورغم قلة موارد هذا الحل المبتكر، إلّا أن ما تنتجه الحدائق يوفر للأهلي كفاف يومهم، ويساعدهم على تأمين متطلبات أساسية تساعدهم على البقاء، لكن قصف النظام على البلدة في الآونة الأخيرة بشتى أنواع الأسلحة، كان لذلك دور كبير في إنخفاض مردود تلك الحقول التي تضررت، فاحترقت الأشجار والنباتات، وحتى البذور المزروعة التي لم تعد صالحة للإستعمال مرة أخرى بهدف زراعتها، ليطبق النظام بذلك حصاره بشكل مضاعف على أهالي البلدة.
لكن وفي مكان آخر من ريف حماة الغربي، لجأت السيدة أم عبد العزيز لهذا الحل نتيجة غلاء أسعار الخضروات في مناطقهم الخاضعة لسيطرة المعارضة، ولندرتها في أحيان أخرى، حيث وصل سعر كيلو الثوم إلى أكثر من 1700 ليرة سورية، فيما وصل سعر كيلو السبانخ إلى 500 ليرة، أما سعر كيلو البندورة فبلغ 650 ليرة بالإضافة للخيار الذي سجل سعراً قياسيا هذا العام ووصل لـ900 ليرة.
بالمقابل فإن زراعة تلك الخضروات في حدائق المنازل لا تكلف أكثر من 50 ليرة سورية ثمن البذور، وهذا ما شجّع العائلات الفقيرة في ريف حماة على إتباع هذا الأسلوب في حياتهم حتى لو لم تكن مناطقهم تقع تحت حصار النظام.
ولعل المفارقة أن الحالة أصحبت عامة ومنتشرة، فغالبية أهالي الريف السوري، سواء الخاضع لسيطرة النظام أو المعارضة باتوا يزرعون حدائق منازلهم لتأمين قوت يومهم، وهذا لتوفير أجود أنواع الخضروات وبأرخص ثمن، علاوةً عن معرفة أماكن زرعها ومصدر سقايتها، خصوصاً بعد تلوث الكثير من المرزوعات مؤخراً بالمواد الكيميائية والغازات التي تقصف بشكل دائم على المناطق المحررة، والتي تؤدي إلى تلوث المرزوعات وتسمم من يتغذى عليها.
ووفقاً لأم عبد العزيز، فإن الكثير من عائلات ريف حماة الغربي لجؤوا لهذا الأمر بهدف التجارة، ليكون مصدر رزق إضافي، فيطعمون أفراد أسرهم من نصف الإنتاج ويبيعون نصفه الآخر، خصوصاً مع غياب فرص عمل للرجال في الأرياف وتوقف الزراعة والحصاد بسبب حرق أغلب محاصيل الأراضي من قبل قوات النظام.
هناك عائلات بريف حماة الغربي راحت تزرع حدائق منازلها لإطعام أفرادها من نصف الإنتاج، ويبيع نصفه الآخر، خصوصاً مع غياب فرص عمل للرجال في الأرياف وتوقف الزراعة والحصاد بسبب احتراق المحاصيل.
أراضي خصبة ولكن..
تعد قرى وبلدات ريف حماة الغربي من أغنى وأكثر الأراضي الزراعية خصوبة في سوريا، بحسب الناشط الإعلامي أبو البراء، غير أن قصف النظام المتواصل على هذه الأراضي واتباع سياسة الأرض المحروقة جعل نسبة المحاصيل المنتجة تنخفض بنسبة 70%، كما أن هجرة المزارعين كان سبباً آخر في ذلك النقص، والذي انعكس سلباً وأدى لندرة الخضروات في محافظة حماه وغلاء أسعارها بشكل كبير.
كما أن عمليات نقل الخضروات والمزروعات من مناطق سيطرة المعارضة كريف حماة الغربي إلى مناطق النظام كمدينة حماة تحتاج لدفع الكثير من الأتاوات الواجب على حواجز النظام لتسهيل مرورها بسلام، وهذا ما أدى بدوره أيضاً لتضاعف سعر الخضروات على أهالي مدينة حماة، لتصبح حالة رفاهية لدى المواطن.
من الجدير بالذكر أن ريف حماة الشمالي والشمالي الغربي يعد من أكبر الأراضي الزراعية في سوريا، من حيث إنتاج محاصيل القمح والخضار، ويأتي في المرتبة الثانية في سوريا بعد الساحل السوري بخصوبة أراضيه، إلا أن قصف النظام تسبب بحرق أكثر من 75% من تلك الأراضي التي تحولت إلى رماد، وأصبحت غير صالحة للزراعة إلا بعد سنوات بحسب المزراعين المحليين في تلك المناطق.
صدى الشام